المقدّمة
١) فكرة عن الحياة العلمية والثقافية بصفاقس في عصر المؤلف
لقد عرفت الحركة العلمية والتعليمية في البلاد التونسية تراخيا ثم ركودا في أواخر أيام الدّولة الحفصية، بعد أيام عزّ وتقدم، حملت رايتها تونس مركز الإمارة، وتحول هذا التراجع الذي سببته الفتن وتدهور الحياة السياسية والإقتصادية، وغموض المصير إلى نكسة خطيرة مع الإحتلال الإسباني، فهاجر علماء تونس، وحرمت البلاد من شعاع هذه المدينة عليها.
ومدينة صفاقس لم تكن أوفر حظّا من بقية البلاد، فقد عرفت في تلك المدة اضطرابات واسعة وانطوت على نفسها لما استقل بها المكني، ثم انعزلت عن عاصمتها لمدة ٣٨ سنة (١) وقل عدد سكانها، وفشا فيها الفقر والجهل، واضطربت فيها نظم الحياة، ولم تتحسن حالتها إلاّ بعد أن رجعت إلى حظيرة عاصمتها الأولى في سنة ١٥٩٤ (٢).
لم يبق لنا ما يشير إلى التعليم والعلماء في تلك الفترة من القرن السادس عشر والسابع عشر إلاّ اليسير من المعلومات، نستشفه من بعض الأخبار التي وردت في التراجم والسير.
وما من شك أن الكتاتيب كانت تعمل بالمساجد والزوايا، إذ لم يبق لنا في خصوصها شيء من الوثائق، وبضياع هذه الوثائق لا يمكن لنا التعرف على عددها ومستوى التعليم بها، غير أننا نعرف أن الراغبين في العلم اتبعوا طريقة أسلافهم في التنقل إلى العاصمة التي بدأت ترجع إليها الروح الثقافية مع المراديين، والتنقل إلى الأزهر بمصر أيضا، طبقا لسنة قديمة، ومن بينهم أبو الحسن الكراي وعبد العزيز الفراتي الأول وعلي النوري. . .
_________
(١) علي الزواري: صفاقس في القرن السادس عشر، مجلة القلم، صفاقس، عدد ٢، ١٩٧٤، ص: ٣ - ٤.
(٢) عزيز سامح: الأتراك العثمانيون بإفريقيا الشمالية، بيروت ١٩٦٩، ص: ٢٨٩.
مقدمة / 9