من أولى الأقطار، وأما غايته فإليها الإشارة بقوله - علت كلمته - ﴿لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ﴾ الآية (٢٢) ﴿وَكُلًاّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ﴾ (٢٣) إلى غير ذلك حسبما أشرنا إليه في الخطبة. وأما واضعه فقال الجلال السّيوطي - رحمه الله تعالى -: والمحفوظ أن الأمر بالتاريخ من عمر - رضي الله تعالى عنه - أخرج البخاري في «الأدب المفرد» والحاكم عن مكحول بن مهران: رفع إلى عمر ورقة فيها شعبان، فقال:
شعبان الذي نحن فيه أو الآتي أو الذي مضى؟ فقال عمر لأصحاب النبي ﷺ: ضعوا للناس شيئا يعرفونه من التّاريخ. فكان عمر - رضي الله تعالى عنه - أوّل من حض على ذلك، فقال بعضهم: اكتبوا على تاريخ الرّوم، فقال: إن الرّوم يطول تأريخهم يكتبون من ذي القرنين، فقال: اكتبوا على تأريخ فارس. ولم يزل يدور الحديث (٢٤) بينهم إلى أن أجمع رأيهم على الهجرة، فإن الهجرة كانت [من] (٢٥) عشر سنين، فكتبوا التاريخ من هجرة النبيء ﷺ فكان عمر - رضي الله تعالى عنه - أول من وضع للنّاس (٢٦) التاريخ الإسلامي المقيّد بكونه من هجرة النبيء ﷺ (٢٧) وقال في «سمط اللآل» (٢٨): لم يكن في صدر الإسلام تأريخ إلى أن ولي عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وافتتح (٢٩) بلاد العجم ودوّن الدواوين، وجبى الخراج، وأعطى الأعطية، فقيل له ألا تؤرّخ؟ فقال: وما التأريخ؟ فقيل له: شيء كانت الأعاجم تفعله يكتبون في شهر كذا من سنة كذا. فقال عمر: هذا حسن، فأرخوا (٣٠). وقال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: قد ذكر الله تعالى التأريخ في كتابه العزيز فقال: ﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ﴾ (٣١). ومن استعمال التاريخ بمعنى التوقيت قوله تعالى ﴿فَلَمّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ نارًا﴾ (٣٢).
_________
(٢٢) سورة يوسف: ١١١.
(٢٣) سورة هود: ١٢٠.
(٢٤) في مكانها في الأصول: «التاريخ»، والمثبت من الوزير السراج الذي يقدم نفس النص في الحلل، المجلد الأول، ص: ١٥٨.
(٢٥) زيادة يقتضيها المقام.
(٢٦) كلمة سقطت من ت وط.
(٢٧) ورد الخبر في الكامل لابن الأثير ١/ ١٠.
(٢٨) سمط اللآل في تعريف ما بالشفا من الرّجال، تأليف الشّيخ محمد قويسم بن علي التونسي المالكي المعروف بالنواوري (١٠٣٣/ ١٦٢٣ - ١١١٤/ ١٧٠٢). والكتاب توجد منه نسخة بالمكتبة الوطنية وأصله من المكتبة الأحمدية بجامع الزيتونة، ويقع في أحد عشر جزءا من القطع الكبير، أنظر الزركلي، الأعلام، ٧/ ٢٣٣.
(٢٩) في ت: «وفتح».
(٣٠) محمد قويسم، سمط اللآل، ١/ ١٧.
(٣١) سورة البقرة: ١٨٩.
(٣٢) سورة القصص: ٢٩.
1 / 40