(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
([(الْحَمد لله رب الْعَالمين»
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم جمال الدّين، أَبُو الْفرج عبد الرَّحْمَن بن عَليّ ابْن الْجَوْزِيّ ﵀]:
الْحَمد لله على إحسانه حمدا يُوجب الْمَزِيد من رضوانه، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ فِي سُلْطَانه، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أرْسلهُ لايضاح برهانه، وَصلى الله عَلَيْهِ، وعَلى أَصْحَابه، وأزواجه، وأعوانه، صَلَاة تدوم على مُرُور الزَّمَان ومرور أحيانه، وَسلم تلسيما كثيرا.
وَبعد لما نظرت فِي كتب الْوُجُوه والنظائر الَّتِي ألفها أَرْبَاب الِاشْتِغَال بعلوم الْقُرْآن، رَأَيْت كل مُتَأَخّر عَن مُتَقَدم يحذو حذوه، وينقل قَوْله مُقَلدًا لَهُ من غير فكرة (فِيمَا نَقله وَلَا بحث عَمَّا حصله.
1 / 81
قد نسب كتاب فِي " الْوُجُوه والنظائر " إِلَى (عِكْرِمَة عَن) ابْن عَبَّاس " ﵄ " وَكتاب) آخر إِلَى عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.
وَمِمَّنْ ألف كتب " الْوُجُوه والنظائر ". الْكَلْبِيّ، وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان، وَأَبُو الْفضل الْعَبَّاس بن الْفضل الْأنْصَارِيّ. وروى مطروح بن مُحَمَّد بن شَاكر عَن عبد الله بن هَارُون الْحِجَازِي عَن أَبِيه، كتابا فِي " الْوُجُوه والنظائر "، وَأَبُو بكر بن مُحَمَّد بن
1 / 82
الْحسن النقاش، وَأَبُو عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الدَّامغَانِي، وَأَبُو عَليّ الْبناء من أَصْحَابنَا، وَشَيخنَا أَبُو الْحسن عَليّ بن عبيد الله بن الزَّاغُونِيّ. وَلَا أعلم أحدا جمع الْوُجُوه والنظائر سوى هَؤُلَاءِ.
وَأعلم أَن معنى الْوُجُوه والنظائر (٢ / أ) أَن تكون الْكَلِمَة وَاحِدَة، ذكرت فِي مَوَاضِع من الْقُرْآن على لفظ وَاحِد، وحركة وَاحِدَة، وَأُرِيد بِكُل مَكَان معنى غير الآخر، فَلفظ كل كلمة ذكرت فِي مَوضِع نَظِير للفظ الْكَلِمَة الْمَذْكُورَة فِي الْموضع الآخر، وَتَفْسِير كل كلمة بِمَعْنى غير معنى الآخرى هُوَ الْوُجُوه.
فَإِذن النَّظَائِر: اسْم للألفاظ، وَالْوُجُوه: اسْم للمعاني، فَهَذَا الأَصْل فِي وضع كتب الْوُجُوه والنظائر، وَالَّذِي أَرَادَ الْعلمَاء بِوَضْع كتب الْوُجُوه والنظائر أَن يعرفوا السَّامع لهَذِهِ النَّظَائِر أَن مَعَانِيهَا تخْتَلف، وَأَنه لَيْسَ المُرَاد بِهَذِهِ اللَّفْظَة مَا أُرِيد بِالْأُخْرَى، وَقد تجوز واضعوها فَذكرُوا كلمة وَاحِدَة مَعْنَاهَا فِي جَمِيع الْمَوَاضِع وَاحِد. كالبلد، والقرية، وَالْمَدينَة، وَالرجل، وَالْإِنْسَان، وَنَحْو ذَلِك. إِلَّا أَنه يُرَاد بِالْبَلَدِ فِي هَذِه الْآيَة غير الْبَلَد فِي الْآيَة الْأُخْرَى (وبهذه الْقرْيَة غير الْقرْيَة فِي الْآيَة الْأُخْرَى) . فحذوا
1 / 83
بذلك حَذْو الْوُجُوه والنظائر الْحَقِيقِيَّة. فَرَأَيْت أَن أذكر هَذَا الِاسْم كَمَا ذَكرُوهُ وَلَقَد قصد أَكْثَرهم كَثْرَة الْوُجُوه والأبواب، فَأتوا بالتهافت العجاب، مثل أَن ترْجم بَعضهم فَقَالَ: بَاب الذُّرِّيَّة، وَذكر فِيهِ " ذَرْنِي "، " وتذروه الرِّيَاح "، " ومثقال ذرة ". وَترْجم بَعضهم فَقَالَ: بَاب الرِّبَا، وَذكر فِيهِ " أَخْذَة رابية ". و" ربيون " و" ربائبكم "، و" جنَّة بِرَبْوَةٍ ".
وتهافتهم إِلَى مثل هَذَا كثير يعجب مِنْهُ ذُو اللب، إِذا رَآهُ، وجمعت فِي كتابي هَذَا أَجود مَا جَمَعُوهُ، وَوضعت (عَنهُ) كل وهم ثبتوه فِي كتبهمْ ووضعوه، وَقد رتبته على الْحُرُوف ترتيبا (٢ / ب)، وقربته إِلَى الِاخْتِصَار المألوف تَقْرِيبًا، وَأَنا أسأَل الله الَّذِي لم يزل قَرِيبا أَن يَجْعَل لي من عونه نَصِيبا إِنَّه ولي ذَلِك والقادر عَلَيْهِ.
1 / 84
(كتاب الْألف)
وَهُوَ سِتَّة وَخَمْسُونَ بَابا: -
(أَبْوَاب الْوَجْهَيْنِ)
(١ - بَاب الِاتِّبَاع)
الأَصْل فِي الِاتِّبَاع: أَن يقفو المتبع أثر المتبع بالسعي فِي طَرِيقه. وَقد يستعار فِي الدّين وَالْعقل وَالْفِعْل.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَنه فِي الْقُرْآن على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ. -
فَمن الأول: قَوْله تَعَالَى فِي طه: ﴿فأتبعهم فِرْعَوْن بجُنُوده﴾، وَفِي الشُّعَرَاء: ﴿فأتبعوهم مشرقين﴾ .
وَمن الثَّانِي: قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: ﴿إِذْ تَبرأ الَّذين﴾ اتبعُوا من الَّذين اتبعُوا وَرَأَوا الْعَذَاب وتقطعت بهم الْأَسْبَاب. وَقَالَ الَّذين اتبعُوا لَو
1 / 85
أَن لنا كرة﴾، وَفِي الْأَعْرَاف: ﴿لَئِن اتبعتم شعيبا﴾، وَفِي إِبْرَاهِيم: ﴿إِنَّا كُنَّا لكم تبعا﴾، وَفِي الشُّعَرَاء: ﴿واتبعك الأرذلون﴾ .
وَلَا يَصح هَذَا التَّقْسِيم إِلَّا أَن تَقول: إِن الإتباع والاتباع بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد بِمَعْنى وَاحِد.
(٢ - بَاب أخلد)
أخلد: على وزن أفعل، وَهُوَ بِمَعْنى الِاعْتِمَاد على الشَّيْء والميل إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس اللّغَوِيّ: يُقَال أخلد: إِذا أَقَامَ.
وَمثله: خلد، مِنْهُ جنَّة الْخلد.
وأخلد إِلَى الأَرْض: لصق بهَا. والخلد: البال. والخلدة: القرط.
وَجَاء فِي التَّفْسِير قَوْله تَعَالَى: ﴿وَيَطوف عَلَيْهِ ولدان مخلدون﴾ مقرطون، وَيُقَال: إِنَّه من الْخلد.
1 / 86
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن أخلد فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: بِمَعْنى الْميل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف: ﴿وَلكنه أخلد إِلَى الأَرْض﴾ .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى التخليد. وَمِنْه (٣ / أ) قَوْله تَعَالَى فِي الْهمزَة: ﴿يحْسب أَن مَاله أخلده﴾، أَي: خلده من الخلود.
(٣ - بَاب الْأَذَان)
الْأَذَان: نِدَاء يقْصد بِهِ إِعْلَام المنادى بِمَا يُرَاد مِنْهُ.
وَمِنْه الْأَذَان للصَّلَاة، فَإِذا أصغى إِلَيْهِ المنادى بالاستماع والاستجابة قيل قد أذن، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: ﴿أَذِنت لِرَبِّهَا وحقت﴾، يُرِيد استمعت، وَكَذَلِكَ قَول النَّبِي ﷺ: " مَا أذن الله لشَيْء مَا أذن لنَبِيّ يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يجْهر بِهِ ". أَي: مَا اسْتمع.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْأَذَان فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: النداء. (وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَعْرَاف):
1 / 87
﴿فَأذن مُؤذن بَينهم أَن لعنة الله على الظَّالِمين﴾،
وَفِي يُوسُف: ﴿ثمَّ أذن مُؤذن أيتها العير إِنَّكُم لسارقون﴾،
وَفِي الْحَج: ﴿وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ﴾ .
وَالثَّانِي: الْإِعْلَام وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بَرَاءَة: ﴿وأذان من الله وَرَسُوله﴾،
وَفِي فصلت: ﴿قَالُوا آذناك مَا منا من شَهِيد﴾ .
وَيجوز أَن يعد هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَجها وَاحِدًا، فَلَا يَصح التَّقْسِيم إِذن.
(٤ - بَاب الِاسْتِطَاعَة)
الأَصْل فِي الِاسْتِطَاعَة: أَنه استفعال من الطَّاعَة. فَسُمي الْفَاعِل مستطيعا، لِأَن الْفِعْل الَّذِي يرومه مُمكن مُطَاوع، وتسميته بذلك قبل الْفِعْل على سَبِيل الْمجَاز، لِأَن الِاسْتِطَاعَة من الْعباد لَا تكون إِلَّا مَعَ الْفِعْل.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الِاسْتِطَاعَة فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
1 / 88
أَحدهمَا: سَعَة المَال، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: ﴿وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت (٣ / ب﴾ من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا﴾، أَي: من وجد سَعَة من المَال. وَفِي سُورَة النِّسَاء: ﴿وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا﴾، وَفِي بَرَاءَة: ﴿لَو استطعنا لخرجنا مَعكُمْ﴾ .
وَالثَّانِي: الإطاقة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: ﴿وَلنْ تستطيعوا أَن تعدلوا بَين النِّسَاء وَلَو حرصتم﴾، أَي: لن تُطِيقُوا. وَفِي هود: ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع﴾، أَي: لم يطيقوا أَن يسمعوا ذكر الْإِيمَان، وَفِي الْكَهْف: ﴿وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سمعا﴾، فِي الْفرْقَان: ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صرفا وَلَا نصرا﴾، وَفِي التغابن: ﴿فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم﴾، وَفِي الذاريات: ﴿فَمَا اسْتَطَاعُوا من قيام﴾ .
(٥ - بَاب الاسْتِغْفَار)
الاسْتِغْفَار: استفعال من طلب الغفران. والغفران: تَغْطِيَة الذَّنب بِالْعَفو عَنهُ. والغفر: السّتْر. وَيُقَال: اصبغ ثَوْبك فَهُوَ أَغفر للوسخ وَغفر
1 / 89
الخد وَالصُّوف: مَا علا فَوق الثَّوْب مِنْهُمَا، كالزئبر: سمي غفرا لِأَنَّهُ يستر الثَّوْب: وَيُقَال: لجنة الرَّأْس مغفر لِأَنَّهَا تستر الرَّأْس وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ: وَحكى بعض أهل اللُّغَة أَن الْمَغْفِرَة مَأْخُوذَة من الغفر. وَهُوَ نبت يداوى بِهِ الْجراح، يُقَال: إِنَّه إِذا ذَر عَلَيْهَا دملها وأبرأها.
ذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الاسْتِغْفَار فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: الاسْتِغْفَار نَفسه وَهُوَ طلب الغفران، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي هود: ﴿وَاسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ﴾، وَفِي يُوسُف: ﴿واستغفري لذنبك﴾، وَفِي نوح: ﴿اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا﴾ . (٤ / أ) . وَهُوَ كثير فِي الْقُرْآن.
وَالثَّانِي: الصَّلَاة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: ﴿والمستغفرين بالأسحار﴾، وَفِي الْأَنْفَال: ﴿وَمَا كَانَ الله معذبهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ﴾، وَفِي الذاريات: ﴿وبالأسحار هم يَسْتَغْفِرُونَ﴾ .
1 / 90
وَقد عد بَعضهم الْآيَة الَّتِي فِي يُوسُف، من قسم الاسْتِغْفَار، وَجعل الَّتِي فِي هود وَفِي نوح بِمَعْنى التَّوْحِيد، فَيكون الْبَاب على قَوْله من أَقسَام الثَّلَاثَة.
(٦ - بَاب الأسف)
الأسف: الْحزن الشَّديد على الشَّيْء والتلهف عَلَيْهِ.
قَالَ ابْن فَارس: يُقَال: أسفت آسَف آسفا، إِذا لهفت والأسف: الغضبان.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الأسف على فِي الْقُرْآن وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: الْحزن، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي العأراف: ﴿وَلما رَجَعَ مُوسَى إِلَى قومه غَضْبَان أسفا﴾، وَمثله: ﴿يَا أسفى على يُوسُف﴾ .
وَالثَّانِي: الْغَضَب، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الزخرف: ﴿فَلَمَّا آسفونا انتقمنا مِنْهُم﴾، أَي: أغضبونا.
(٧ - بَاب أصبح)
الأَصْل فِي أصبح: إِدْرَاك الصَّباح للمصبح، وَيُقَال: أصبح، إِذا أوقد الْمِصْبَاح.
1 / 91
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن أصبح فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: إِدْرَاك الصَّباح للصبح. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْكَهْف: ﴿فَأصْبح يقلب كفيه﴾، وَفِي الْأَحْقَاف: ﴿فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا مساكنهم﴾، وَفِي نون: ﴿ليصرمنها مصبحين﴾، وفيهَا: ﴿فَأَصْبَحت كالصريم﴾ .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى صَار. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: ﴿فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا﴾، وَفِي الْمَائِدَة: ﴿فَأصْبح من الخاسرين﴾ (٤ / ب)، وفيهَا: ﴿فَأصْبح من النادمين﴾، وَفِي الْكَهْف: ﴿أَو يصبح مَاؤُهَا غورا﴾، [وَفِي فصلت]: ﴿فأصبحتم من الخاسرين﴾، وَفِي الْملك: ﴿إِن أصبح ماؤكم غورا﴾ .
(٨ - بَاب الإصر)
قَالَ أَبُو الْحُسَيْن بن فَارس اللّغَوِيّ: الإصر: الثّقل. والإصر:
1 / 92
الْعَهْد. والأخرة: الْقَرَابَة. وكل عقد وقرابة وعهد: إصر. وَالْعرب. تَقول: مَا تأصرني على فلَان آصرة. أَي: مَا تعطفني عَلَيْهِ قرَابَة وَلَا منَّة. قَالَ الحطيئة: -
(عطفوا عَليّ بغيرا ... صرة فقد عظم الأواصر)
أَي: عطفوا عَليّ بِغَيْر عهد وَلَا قرَابَة. والمأصر الْموضع الَّذِي يُقيم فِيهِ صَاحب الرصد فيأصر فِيهِ العير. أَي: يحبسها لطلب الضريبة، وأصرته: حَبسته.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الإصر فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: الثّقل. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: ﴿رَبنَا وَلَا تحمل علينا إصرا﴾ .
وَالثَّانِي: الْعَهْد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: ﴿وأخذتم على ذَلِكُم إصري﴾ . وَفِي الْأَعْرَاف: ﴿وَيَضَع عَنْهُم إصرهم﴾ .
قَالَ مُجَاهِد: عهود كَانَت عَلَيْهِم. وَقد ذهب قوم إِلَى أَن المُرَاد
1 / 93
بالإصر الْمَذْكُور فِي الْبَقَرَة: الْعَهْد. مِنْهُم ابْن عَبَّاس، وَمُجاهد، وَالضَّحَّاك، وَالسُّديّ. فَبَطل على قَوْلهم التَّقْسِيم.
(٩ - بَاب الأفواه)
الأفواه: وَاحِدهَا فَم. وأصل الْفَم فوه على وزن فوز. والفوه: سَعَة الْفَم. يُقَال: رجل أفوه، وَامْرَأَة فوهاء، وَيُقَال: فَاه الرجل بالْكلَام يفوه، إِذا لفظ بِهِ، والمفوه: الْقَادِر على الْكَلَام. وأنشدوا:
(قد يخزن الْوَرع التقي لِسَانه ... هذر الْكَلَام وَإنَّهُ لمفوه)
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن [الأفواه فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: _
أَحدهمَا: الأفواه الْمَعْرُوفَة الَّتِي وَاحِدهَا فَم، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيم: ﴿فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم﴾، وَمَعْنَاهُ: إِنَّهُم قصدُوا إسكات الرُّسُل بلغوهم.
1 / 94
وَالثَّانِي: الألسن. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: ﴿يَقُولُونَ بأفواههم مَا لَيْسَ فِي قُلُوبهم﴾، أَي: بألسنتهم وَسمي اللِّسَان بذلك لمَكَان الْمُجَاورَة وَالسَّبَب كَمَا سمي الْعقل قلبا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن فِي ذَلِك لذكرى لمن كَانَ لَهُ قلب﴾، أَي: عقل، لِأَن الْقلب ظرف لِلْعَقْلِ.
وَقد ألحق بَعضهم " وَجها " ثَالِثا فَقَالَ: والأفواه: الْكَلَام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: ﴿يُرِيدُونَ ليطفئوا نور الله بأفواههم﴾، أَي: بكلامهم
(١٠ - بَاب إِقَامَة الصَّلَاة)
أصل الْإِقَامَة: من الْقيام. وَهُوَ امتداد قامة الْإِنْسَان إِلَى جِهَة الْعُلُوّ بالانتصاب.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن إِقَامَة الصَّلَاة فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: إِتْمَامهَا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْبَقَرَة: (الَّذين
1 / 95
يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ ويقيمون الصَّلَاة) ﴿وفيهَا﴾ (وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة﴾ .
وَالثَّانِي: الْإِقْرَار بهَا. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي بَرَاءَة: ﴿فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة﴾، أَي: أقرُّوا بهَا.
(١١ - بَاب أولى)
الأَصْل فِي أولى أَنَّهَا مَوْضُوعَة لترجيح الأحق، تَقول: زيد أولى بالإكرام من عَمْرو، أَي: أَحَق.
قَالَ ابْن فَارس: فَأَما قَوْلهم فِي الشتم: أولى لَهُ، فَحَدثني على بن عمر، وَقَالَ: سَمِعت ثعلبا، يَقُول: أولى تهدد ووعيد. وأنشدوا (٥ / ب):
(فَأولى، ثمَّ أولى ثمَّ أولى ... وَهل للدر يحلب من مرد)
قَالَ الْأَصْمَعِي: مَعْنَاهُ قاربه مَا يهلكه. أَي: نزل بِهِ، وَأنْشد: -
1 / 96
(فعادى بَين هاديتين مِنْهَا ... وَأولى أَن يزِيد على الثَّلَاث)
أَي: قَارب أَن يزِيد، قَالَ ثَعْلَب: وَلم يقل أحد فِي أولى أحسن مِمَّا قَالَ الْأَصْمَعِي.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن أولى فِي الْقُرْآن على وَجْهَيْن: -
أَحدهمَا: بِمَعْنى أَحَق. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَنْفَال: ﴿وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله﴾، وَفِي مَرْيَم: ﴿أولى بهَا صليا﴾ .
وَفِي الْأَحْزَاب: ﴿النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم﴾ .
وَالثَّانِي: بِمَعْنى الْوَعيد والتهديد. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة مُحَمَّد ﷺ: ﴿ينظرُونَ إِلَيْك نظر المغشي عَلَيْهِ من الْمَوْت فَأولى لَهُم﴾، وَفِي الْقِيَامَة: ﴿أولى لَك فَأولى ثمَّ أولى لَك فَأولى﴾ .
(أَبْوَاب الثَّلَاثَة)
(١٢ - بَاب الْإِذْن)
الأَصْل فِي الْإِذْن: الْإِطْلَاق من غير حجر. وأذنت للْحَدِيث
1 / 97
استمعت، وَفِي الحَدِيث: " مَا أذن الله لشَيْء مَا أذن لنَبِيّ يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ " أَي مَا اسْتمع.
وَذكر بعض الْمُفَسّرين أَن الْإِذْن فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: -
أَحدهَا: الْإِذْن نَفسه. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي آل عمرَان: ﴿وَمَا كَانَ لنَفس أَن تَمُوت إِلَّا بِإِذن الله كتابا مُؤَجّلا﴾، يُرِيد إِلَّا أَن يَأْذَن الله فِي مَوتهَا. وَفِي يُونُس: ﴿وَمَا كَانَ لنَفس أَن تؤمن إِلَّا بِإِذن الله﴾ .
وَالثَّانِي: الْأَمر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: ﴿وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا ليطاع بِإِذن الله﴾، وَفِي الْمَائِدَة: ﴿ويخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذْنِهِ﴾، وَفِي الرَّعْد: ﴿وَمَا كَانَ لرَسُول (٦ / أ﴾ أَن يَأْتِي بِآيَة إِلَّا بِإِذن الله﴾، وَفِي إِبْرَاهِيم: ﴿لتخرج النَّاس من الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذن رَبهم﴾، وفيهَا: ﴿تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا﴾، وفيهَا: ﴿خَالِدين فِيهَا بِإِذن رَبهم﴾ .
وَالثَّالِث: الْإِرَادَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرَة: ﴿وَمَا هم بضارين بِهِ من أحد إِلَّا بِإِذن الله﴾، وفيهَا: (كم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة
1 / 98
كَثِيرَة بِإِذن الله) ﴿وفيهَا﴾ (فهزموهم بِإِذن الله﴾، وَفِي آل عمرَان: ﴿وَمَا أَصَابَكُم يَوْم التقى الْجَمْعَانِ فبإذن الله﴾ .
(١٣ - بَاب الاستحياء)
ذكر أهل التَّفْسِير أَن الاستحياء فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: -
[وَلم يفرقُوا بَين الْمَقْصُور والممدود] .
أَحدهمَا: الاستبقاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْبَقَرَة: ﴿ويستحيون نساءكم﴾ .
وَالثَّانِي: التّرْك. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الله لَا يستحي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا﴾ .
وَالثَّالِث: من الْحيَاء. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْأَحْزَاب: ﴿إِن ذَلِكُم كَانَ يُؤْذِي النَّبِي فيستحي مِنْكُم﴾ .
1 / 99
(١٤ - بَاب السّفل)
الْأَسْفَل: مَا انحط عَن رُتْبَة الْأَعْلَى، والسفل: مَا مَالَتْ إِلَيْهِ الْأَجْسَام الثَّقِيلَة بالطبع، والعلو مَا انْتَهَت إِلَيْهِ الْأَجْسَام الْخَفِيفَة بالطبع.
وَذكر أهل التَّفْسِير أَن الْأَسْفَل فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه:
أَحدهَا: الانحطاط فِي الْمَكَان، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة النِّسَاء: ﴿إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار﴾، وَفِي الْأَنْفَال: ﴿والركب أَسْفَل مِنْكُم﴾، أَي: هم فِي منهبط الْوَادي.
وَالثَّانِي: الخسران فِي الْأَمر. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الصافات: ﴿فأرادوا بِهِ كيدا فجعلناهم الأسفلين﴾ .
وَالثَّالِث: بُلُوغ أرذل الْعُمر. وَمِنْه قَوْله تعال: (٦ / ب) فِي سُورَة التِّين: ﴿ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين﴾ .
(١٥ - بَاب الأغلال)
الأغلال: جمع غل. والغل: حَدِيدَة مستديرة تجْعَل فِي عنق
1 / 100