نزهة الابصار بطرائف الاخبار والاشعار
نزهة الأبصار بطرائف الأخبار والأشعار
ناشر
دار العباد
محل انتشار
بيروت
ژانرها
هذا آخر ما اردت نقله من المطولات، ولو ظفرت بديوانه كاملًا لنقلت منه أكثر من ذلك، ولكني لم أظفر من ديوانه إلا بالمجلد الأول، فلله دره من شاعر ما أثبت مبانيه، وأجل معانيه، وفيما نقلت من شعره دليل على تقدمه. قال صاحب (دمية اقصر) في حقه: هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر، وكان تحت كل كلمة من كلماته كاعب، وما في قصائده بيت يتحكم عليه بلو وليت، وهي مصبوبة في قوالب اقلوب، وبمثلها يعتذر الزمان المذنب من الذنوب، وذكر له عدة مقاطيع فمنها القصيدة المتقدمة الهائية ومنها يقول:
أن التي علقت قلبك حبها ... راحت بقلب منك غير علوق
عقدت ضمان وفائها في خصرها ... فوهى كلا العقدين غير وثيق
ومنها:
بكر العارض يحدوه النعامى ... فسقاك الله يا دار أماما
وبجزعاء الحمى قلبي فعج ... بالحمى واقر على قلبي السلاما
وترحل فتحدث عجبًا ... أن قلبًا سار عن جسم أقاما
قل لجيران الغضا آها على ... طيب عيش بالغضا لو كان داما
نصل العام ولا ننساكم ... وقصارى الوجد أن نسلخ عاما
حملوا ريح الصبا من نشركم ... قبل أن تحمل شيحًا وخزاما
وابعثوا اشباحكم لي في الكرى ... أن أذنتم لجفوني أن تناما
ومن قوله:
أرقت فهل لهاجعة بسلع ... على الارقين أفئدة ترق
نشدتك بالمودة يا ابن ودي ... فإنك بي من ابن أبي أحق
اسل بالجزع دمعك أن عيني ... إذا استبررتها
دمعًا تعق
وان شق البكاء على المعافى ... فلم أسألك إلا ما يشق
وله في القناعة وقد أحسن:
يلحى على البخل الشحيح بماله ... أفلا تكون بماء وجهك أبخلا
أكرم يديك عن السؤال فانما ... قذر الحياة أقل من أن تسألا
ولقد أضم الي فضل قناعتي ... وأبيت مشتملًا بها متزملا
وأري الغدو على الخصاصة شارة ... تصف الغنى فتخالني متمولًا
وإذا امرؤ افنى الليلي حسرة ... وأمانياص أفنيتهن توكلا
ومن بديع مدائحه من جملة قصيدة:
وإذا رأوك بأن تفرقت أرواحهم ... فكأنما عرفتك قبل الأعين
وإذا أردت بأن تفل كتيبة ... لاقيتها فتسم فيها واكتن
وله من جملة قصيدة أبيات تتضمن العتب وهي:
إذا صور الإشفاق لي كيف أنتم ... وكيف إذا ما عن ذكري صبرتم
تنفست عن عتب فؤادي مفصح ... به ولساني للحفاظ يحمحم
وفي في ماء من بقايا ودادكم ... كثيرًا به من ماء وجهي أرقتم
أرقت وما ضنًا عليه وبينه ... وبين انسكاب ريثما اتكلم
قال جامعه ويعجبني بيت له من قصيدة قوله:
منىً انتم من ظاعنين وخلفوا ... قلوبًا ابت أن تعرف الصبر عنهم
تم الاختيار من شعر مهيار الديلمي ويليه الاختيار من شعر ابن هاني الأندلسي.
شعر
ابن هاني هو ابو القاسم وابو الحسن محمد بن هاني الأزدي المهلبي من ولد يزيد بن حاتم بن المهلب الأزدي، وقيل: انه ولد أخيه روح بن حاتم، ولد بمدينة اشبيلية، ونشأ بها، واشتغل وحصل له حظ وافر من الأدب وعمل الشعر ومهر فيه، وكان حافظًا لأشعار العرب وأخبارهم، واتصل بصاحب اشبيلية، وحظي عنده، وكان كثير الانهماك في الملاذ متهماص بمذهب الفلاسفة، واتصل بالمعز ابي تميم معد ابن المنصور العبيدي، وبالغ في اكرامه، ثم توجه امعز إلى الديار المصرية، وخرج في أثره، فلما وصل إلى برقة، ووجد مقتولًا في بعض طرقها، ولم يعرف سبب قتله وذلك سنة اثنتين وستين وثلاث مائة وعمره ست وثلاثون، ولما بلغ المعز قتله تأسف عليه كثيرًا، وقال: هذا رجل كنا نرجو أن نفاخر به أهل المشرق، فلم يقدر لنا ذلك. وله في المعز المذكور غرر مدائح، ونخب أشعار، وله ديوان شعر أجاد فيه كل الإجادة، لولا ما فيه من الغلو في المدح، والافراط المفضي إلى الكفر لكان من أحسن الدواوين، وليس في المغاربة من هو في طبقته لا من متقدميهم ولا من متأخريهم، بل هو أشعرهم على الإطلاق، وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة، وكانا متعاصرين.
قال يمدح المعز وهي من القصائد الطنانة، وهي أول ما أنشده بالقيروان واجازه عليها جائزة جليلة:
هل من أعقة عالج يبرين ... أم منهما بقر الحدوج العين
1 / 72