نشوء اللغة العربیة ونموها واکتهالها
نشوء اللغة العربية ونموها واكتهالها
ژانرها
قال: وكل شيء من موقوف الزجر فإن العرب قد تنونه مخفوضا؛ وما كان غير موقوف فعلى حركة صرفه في الوجوه كلها، وتضاعف صه، فيقال: صهصهت بالقوم.» ا.ه. وقال المبرد: إن وصلت فقلت: صه يا رجل! بالتنوين، فإنما تريد الفرق بين التعريف والتنكير؛ لأن التنوين تنكير، وقال ابن الأثير: وقد تكرر ذكر صه في الحديث، وهي تكون للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بمعنى اسكت، قال: وهي من أسماء الأفعال، وتنون، ولا تنون، فهي للتنكير كأنك قلت: اسكت سكوتا، وإذا لم تنون، فللتعريف؛ أي اسكت السكوت المعروف منك، والله تعالى أعلم. ا.ه.
ويمكننا أن نطيل النفس في الاستشهاد، لكن النتيجة واحدة وكذلك تكون الفائدة، فلقد ظهر لنا نشوء أول الكلمة وصور انتقالها من حالة إلى حالة أخرى، حتى لم يبق لنا شك في هذا التحول العجيب؛ أي انتقال الكلمة المحاكية للصوت إلى المضاعف الثلاثي والرباعي، ومما يؤيد كلام الأقدمين قول إمام اللغويين المتأخرين: الشيخ إبراهيم اليازجي، فقد جاء في مجلة الطبيب (في السنة 1884 في ص194): «إن الثنائي موضوع في الأصل على حرفين، والتشديد في الثاني طارئ من قبل الصناعة ... فإنك إذا تفقدت هذه الأفعال في العبرانية والسريانية وجدتها فيهما مخففة ساكنة الأواخر، جريا على الحكاية الأصلية؛ لأن الذي سمع قرع جسم بآخر مثلا سمع شيئا يحاكي «دق» بالإسكان، فحكاه بصورته مخففا، ثم لما احتاجوا إلى تحريك الثاني في بعض الصور التصريفية، كرهوا أن يوالوا بين متحركين لا فاصل بينهما، فوسطوا بينهما ساكنا، إما من جنس ذلك المتحرك، فقالوا: «دقو» مثلا بالتشديد، وهو اختيار العبرانيين، وعليه جرت العرب، أو حرف مد من جنس حركة الأول فقالوا: «داقون» أي «دقوا» أيضا، وهو اختبار السريان.» ا.ه.
وإليك الآن شاهدا على تولد الأجوف والمهموز من المضعف، قال أبو الفضل جمال الدين في «ذيم»: «الذيم والذام العيب ... وقد ذامه يذيمه ذيما وذاما: عابه، وذمته أذيمه، وذأمته، وذممته، كله بمعنى، عن الأخفش، فهو مذيم على النقص، ومذيوم على التمام، ومذءوم إذا همزت، ومذموم من المضاعف، وقيل: الذيم والذام: الذم.» ا.ه. المقصود من إيراده.
وقال ابن الأعرابي: «من العرب من يقلب أحد الحرفين المدغمين ياء، فيقول في مر: مير، وفي زر: زير، وهو الدجة ، وفي رز: ريز » (راجع لسان العرب في زور).
وقال السيد مرتضى: «كاع عن الشيء يكاع، كخاف يخاف، لغة في كع يكع.» وقال اللغويون: زال عمره مثل زل، والشواهد أكثر من أن تحصى.
فقد رأينا الأجوف والمهموز العين، فأما المهموز الأول، فالأمثلة أيضا كثيرة ولكن نجتزئ بشاهد واحد قديم وهو: «ذن» بفتح الذال المعجمة ونون ساكنة، وقد هجرها الأدباء وأكثر اللغويين؛ لأن من عادتهم الاعتماد على الثلاثي لشيوعه في العربية، والرواية المشهورة هي همزها؛ أي «إذن»، ومن غريب الاتفاق أن «ذن» كالإنجليزية
THEN
مبنى ومعنى، وهذا من أغرب ما صادفته في اللغة.
وقد ذكر صاحب اللسان كلاما طويلا في مقدمة ديوانه لغات العرب في من يهمز بعض الألفاظ ومن لا يهمزها، فيحسن بالمتتبع أن ينظر فيها إذا أحب التوسع في هذا البحث فيرى ما يرضيه عن ضروب المهموز، ونأخذ عن بعضهم ما جاء بخصوص الهمز، وننبه القارئ على أن الهمز في أول الكلمة موجود في جميع اللغات، فلا عبرة له هنا، أما مهموز العين واللام فخاصان بالعربية، على أن قريشا، وكانت لغتها أفصح اللغات، ما كانت تهمز (أو تنبر) لكن سيبويه قال: «ليس أحد من العرب إلا ويقول: تنبأ مسيلمة، بالهمز، غير أنهم تركوا الهمز في «النبي» كما تركوه في الذرية والبرية والخابية»، إلا أهل مكة، فإنهم يهمزون هذه الأحرف، ولا يهمزون غيرها، ويخالفون العرب في ذلك، قال: والهمز في النبي لغة رديئة، يعني لقلة استعمالها، لا لأن القياس يمنع من ذلك. ألا ترى إلى قول سيدنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وقد قيل: يا نبيء الله! فقال له: لا تنبر باسمي، فإنما أنا نبي الله، وفي رواية: فقال: لست بنبيء الله، ولكني نبي الله، وذلك بأنه عليه السلام أنكر الهمز في اسمه، فرده على قائله؛ لأنه لم يدر بما سماه، فأشفق أن يمسك على ذلك، وفيه شيء يتعلق بالشرع فيكون بالإمساك عنه مبيح محظور، أو حاظر مباح. ا.ه. عن اللسان.
صفحه نامشخص