فإذا كانت في حال وفورها، وصحتها وقوتها وكمال خلقها، لم تقدر على خلق جسم، وإن صغر ذلك الجسم ولو ذرة، فكيف تحدث أنفسها، وهي عدم! وقد قال الله تعالى: { ان الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم شيئا لا يستنقذوه منه } .
فمن أضعف ممن إذا سلبته الذبابة شيئا، لا يقدر أن ينتزعه منها. فكيف يقدر أن يخلق خلقا؟! وبالله التوفيق.
الباب الثالث عشر
في الدليل على أنه لا بد للعالم من محدث أحدثه
الدليل على ذلك أنا وجدنا المحدث في الشاهد، لا يكون إلا من محدث، كالبناء لا يكون إلا من بناء بناه، والصورة لا تكون إلا من مصور صورها. والكتابة لا تكون إلا من كاتب كتبها. فعلمنا أن لها العالم محدث أحدثه، وهو الله الذي ليس كمثله شئ. وهو السميع البصير.
فإن قال: فما أنكرت أن يكون كل ما وصفت، لا فاعل له.
قلنا: لو جاز ذلك، لجاز أن يكون دارا مفروغة البناء محكمة، في حال كمالها، أن يحكم عليها أنها أحكمت نفسها، وأخرجت نفسها، من العدم إلى الوجود فلما فسد في العقل هذا، دل أنا لا بد للبناء من بان بناه، ولو جاز ما قلت، لجاز أن يكون مضروب ولا ضارب له، ومكتوب ولا كاتب له، ومقتول ولا قاتل له. فلما فسد في العقل هذا، فسد ما قلت. وبالله التوفيق
الباب الرابع عشر
صفحه ۸