وأما البارئ تعالى: فليس بجسم ولا شخص، ليكون له نهاية وحدود. ولو كان كذلك، لكان لا فرق بينه وبين غيره، من الأجسام والأشخاص.
وإن اختلف الجسمان والشخصان، في السكينونة والكيفية، فهما متفقان في التحديد والنهاية والأقطار، وبطلت الألوهية، لأن من حق الإله أن يكون ليس كمثله شيء.
وإذا كان كمثل غيره، فما الفضل له على غيره؟ وبم يستحق الألوهية؟ وقد قال الله تعالى: { ليس كمثله شيء } فجميع ما ذكروه، من عند، ومع، والدنو، والتقرب إلى الله المعقول فجميع هذه الأوصاف، عن الله منفية تعالى الله عن ذلك.
وإنما معنى قول الله تعالى: { في مقعد صدق عند مليك مقتدر } فعنده قي الكرامة والفضيلة، والمنزلة السنية، وعزم المقدار، لا منزلة مسافة، قربت المسافة أو بعدت. وقوله تعالى: { وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن } في الفضيلة والكرامة، لا أنهم أقرب إليه قرب مسافة، لأنه تعالى ليس ببائن متقص في مكان، فيكون معه. وإنما هم في القلوب من الله، قرب المنزلة والكرامة ألا ترى إلى قول القائل: فلان أقرب الناس إلى الأمير. فلو أراد به المسافة، ما كان مدحا.
وقوله: { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } فرفعه: قبوله من المتعبد.
وقيل: رفعه إلى مكان يقال له: عليون.
وقيل: إذا زكا العمل ورضيه، أنما وشرفه. والشريف: الرفيع.
وأما اللقاء، فعلى وجهين: لقاء رؤية، ولقاء على غير رؤية. يقال للميت: قد لقي ربه. فلا يراد به الرؤية. وإنما يراد أنه صار على ما أعد الله له.
ويقال: صار إلى الله، وذهب إلى الله. فأجابه. قال نبي لله إبراهيم صلى الله عليه وسلم: "إني ذاهب إلى ربي" أي ذاهب إلى الله، بتوجيه العمل إليه. ولقاء الرؤية منفي عن الله تعالى. وقد بينا ذلك فيما تقدم وبالله التوفيق.
الباب السبعون
في الاستواء على العرش
صفحه ۵۶