... والقيوم: هو القائم بتدبير الخلق، في إنشائهم وأرزاقهم وأمورهم. يعز من يشاء، ويذل من يشاء. ويغني من يشاء، ويفقر من يشاء؛ ويعافي من يشاء، ويمرض من يشاء ويحي من يشاء، ويميت من يشاء، ويوجد من يشاء من العدم. ويعدم من يشاء من الوجود؛ إذ كل يوم هو في شأن -كما قال-: { كل يوم هو في شأن } . وقوله تعالى: { ولمن خاف مقام ربه جنتان } يعني بالمقام الذي، أضافه إلى نفسه، من جهة الملك؛ فإنه لا مالك لذلك المقام غيره؛ لقوله تعالى: { ملك يوم الدين } . وقوله: { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } .
... ويقال: معنى القيام: أن من خاف ذلك المقام، الذي يقوم فيه بين يدي الله يوم القيامة.
... وقيل بالمقام: عظمة الله. إن لمن خاف عظمة به جنتان لا أنه مقام، وانتصاب على أقدام. تعالى الله عن ذلك.
الباب الحادي والستون
في نفي الكلام المعقول عن الله تعالى
زعم أهل الخلاف للمسلمين أن الله تعالى متكلم، وأن كلامه فعله، وخلق من خلقه، وأنه كلاما، به تكلم بالكلام المعقول.
وحجتهم: قول الله تعالى: { إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } فقالوا: إنه يقول للأشياء: كوني بالكلام المعقول تعالى الله عن ذلك. إنما يلفظ بالكلام المعقول، من كان ذا لسان وشفتين، وقلب وجوف والبارئ "عز وجل" غني عن ذلك؛ لأنه لا يحتاج إلى لسان وشفتين، وقلب وجوف؛ لأن المحتاج ليس بإله عظيم، على كل شيء قدير. ولو خلق كلاما، به تكلم، وأنه يكون الأشياء بقوله: كوني. وكان قوله: لكان يحتاج إلى قول آخر. وكل قول يحتاج إلى قول آخر؛ لأن كل قول بقول، وقول بقول فاسد؛ إذ لا يتناهى، ولا يتوقف عنده.
وإنما البارئ "عز وجل" إذا أراد شيئا كان، لا غير ذلك. ولا يقول له: كن فيكون بقول؛ إذ ليس هنالك كلام من البارئ. وإنما أخبر الله تعالى، عن سرعة كون المراد، إذا شاء كونه، لا أنه يقول له، بقول: كن فيكون بقول - تعالى الله عن ذلك.
صفحه ۵۰