وقد فرق مفرق منهم، بين أن يكون البارئ أبا لكلامه، وبين أن يكون أبا لحياته: بأن كلامه يبدو ويظهر، وليس بأبي حياته؛ لأنها لا تبدو ولا تظهر .
إن كانت العلة، في أنه أبو كلامه: يبدو ويظهر.
يقال له: ما معنى قولك: إن كلام البارئ يبدو ويظهر؟ فتعني أنا ندركه حسا.
فإن قال: نعم، عورض بذلك في حياته.
وإن قال: أعني أنه يظهر لنا بالاستدلال، ويبدو لنا بالحجة.
قيل له: فقل: إن حياته تبدو وتظهر، على هذا المعنى.
وليس للنصارى عن إلزامنا لهذا، من محيص ولا ملجأ. وبالله التوفيق.
الباب السابع والثلاثون
في الدر عليهم لقلبهم اسم المسيح عن معاني الحق والعدل
يقال لهم: أخبرونا عن قولكم: مسيح يقع على الكلمة دون الجسد المولود من مريم؟ أم يقع الجسد المولود من مريم دون الكلمة؟ أم يقع عليهما جميعا؟
فإن قالوا: يقع على الكلمة دون الجسد.
قيل لهم: فما معنى قولكم: مسيح؟ أليس مأخوذا من المسح؟
فإن قالوا: لا.
قيل لهم: فما أنكرتم أن يكون مأخوذا من المسح؛ لأنه يقال: مسح فهو مسيح، كما يقال: قتل فهو قتيل. فإن جاز أن يقال في اللغة: مسيح لا من المسح، جاز أن يقال: قتيل لا من القتل، وطريد لا من الطرد.
ويقال لهم: إذا كانت الكلمة هي المسيح، فلا تقولوا: المسيح عيسى بن مريم.
فإن قالوا: قولنا: مسيح مأخوذ من المسح.
قيل لهم: إذا جاز المسح على الكلمة القديمة، فلم لا جازت عليها المماسة والمفارقة وسائر الوصاف التي يستدل بها على حدث الأجسام؟
وإن هم قالوا: قولنا: مسيح واقع على الجسد دون الكلمة.
قيل لهم: فقولوا: إن المسيح مخلوق من كل وجه، وليس بابن لله، من كل وجه.
إذا كان قولكم: مسيح واقعا على الجسد دون الكلمة، وقولوا: إن المسيح لم يولد من مريم، ولا كان يأكل الطعام ولا يشرب الشراب. ولا تقولوا: إن المسيح
ابن الله، إذا كان من قولكم: مسيحا، ليس واقعا على اللاهوت، ولا على كلمة الإله.
صفحه ۲۹