فقلت: وما تنكر أن العقل جوهر، وكان حالا في النفس، أن يكون مماسا لها وترك هذا، ثم سئل، فقيل له: ما الذي أنكرت أن تمازج الكلمة جسد المسيح مع إجازتك حلولها فيه؟
فقال: لأن الممازجة تخرج الشيئين الممتزجين، عما كانا عليه وذلك أن الماء إذا مازج اللبن خرجا بالامتزاج عما كانا عليه.
قيل له: فما الفضل بينك وبين من قال: والماء إذا حل في اللبن، خرج أحدهما في صاحبه عما كانا عليه، فلا يجب من ذلك أن يزعم أن الكلمة حلت جسد المسيح.
قيل له: ما أنكرت أن يكون الامتزاج لا يخرج الكلمة والجسد عما كانا عليه،وأن يكون على خلاف الامتزاج المعقول، كما ثبت حلول على خلاف الحلول المعقول، فزعم أن الماء يحل الجرة وليس بممازج الجرة.
قيل له : إن وجب أن تحل الكلمة جسد المسيح من غير ممازجة، فما أنكرت أن الكلمة تماس جسد المسيح، من غير ممازجة.
ويقال لهم: إذا جاز أن يكون المحدث محلا للقديم فما أنكرتم أن يكون حاويا له.
وإذا جاز أن تحل الكلمة في جوهر خاص، في جسد محدود, فما أنكرتم أن تكون محدودة، وإن جاز أن يحل ما ليس بمحدود فيما ليس بمحدود، وإذا جاز أن يحل القديم في المحدث فما أنكرتم، من جواز حلول المحدث في القديم.
فإن قالوا: لو حل المحدث في القديم، لم يسبقه القديم.
قيل لهم: ولو حل القديم في المحدث، لم يسبقه المحدث.
ويقال لهم: إذا جاز حلول القديم في المحدث، فما أنكرتم من جواز حلول القديم في القديم، وكل علة يمنعون بها حلول القديم في القديم، والمحدث في القديم منعنا بها حلول القديم في المحدث، وبالله نستعين.
الباب الخامس والثلاثون
في الرد على من قال من النصارى باللاهوت والناسوت
معنى قولهم: عيسى عليه السلام لاهوتي ناسوتي. لاهوتي الأب وهو الإله، وناسوتي الأم وهي من الناس.
ويقال لهم: أي شئ دعاكم إلى القول: بأن عيسى لاهوتي ناسوتي؟
فإن قالوا: لأنه أبرأ الأكمه والأبرص، وأحيى الموتى؟
صفحه ۲۶