وإذا جاز أن تحل الكلمة في جسم محدود ، فقد حوى المحدود القديم، وماسه وخالطه.
وإن جاز على الكلمة الامتزاج والاجتماع، فلم لا جاز عليها المفارقة والحركة والسكون والألوان والطعوم والأرانيج؟ولم لا جاز ذلك على جواهر الإله وكرامته؟
فإن أجازا ذلك.
قيل لهم: فما جعله بالقدم أولى من الأجساد وما جعلها بالحدث أولى منه، وقد جاز عليه ما يجوز عليها، من صفات الحدث ودلالته .
ويقال لهم: دلونا على أن القديم ايجد بالجسد المحدث، فلا يأتون دليلا إلا قيل لهم: قولوا لهم بهذه الدلالة: إنه ممتزج له، مخالط له، مماس له.
وإذا قلتم: ايجد به ولم يحاسه. فما الفرق بينكم وبين من قال: مازجه ولم يماسه وكذلك خالطه ولم يمتزج به؟
ويقال لهم: لم زعمتم أن الكلمة هي التي اتجدت بجسد المسيح، دون أن
تزعموا أن الإيجاد كان من الروح؟ هم مطلقون الإيجاد بلفظ الكلمة، ولا يطلقونه بلفظ الروح، وإن كان عندهم شيئا واحدا فافهم ذلك.
ويقال لهم: لم زعمتم أن الكلمة اتجدت بجسد المسيح، ولم تزعموا أنها اتجدت بجسد موسى، أو غيره من النبيين - عليهم السلام.
وإن رجعوا إلى اختراع المعجزات والبراهين، التي ظهرت على عيسى، كنحو احياء الموتى، وإبرائه الأكمه والأبرص.
قيل لهم: فلم قلتم: المسيح ابن الله وقلتم: الكلمة مؤكدة له، لظهور البراهين والمعجزات عليه، دون أن تثبتوا موسى ابنا له، وتثبتوا الكلمة متجدة به، لظهور البراهين الباهرات عليه، كنحو فلقه البحر، ورميه العصى من يده فتكون حية تسعى، وإخراجه يده بيضا، من غير سوء، وكنحو الجراد والقتل والضفادع والدم وغير ذلك من الآيات؟
فإن قالوا: كان موسى يدعوا الله، فيفعل ذلك على يديه، والمسيح كان يخترع ذلك اختراعا.
صفحه ۲۴