وقال أيضا: { وما هم منها بمخرجين } فليس لهم فيما تعلقوا به حجة، لأن الله تعالى يقول: { وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك } فقد شاء لهم الخلود.
فإن زعموا أن أهل النار لا يخلدون فيها بهذا الاستثناء. فيلزمهم أن أهل الجنة لا يخلدون فيها أيضا، بهذا الاستثناء. وهم لا يقولون بذلك. وبالله التوفيق.
الباب الحادي والخمسون والمائة
في الحكمة في خلود أهل النار
والتفاضل في الثواب والعقاب
قال بشير: علة من يقول بالتخليد في النار بالقياس: إن المذنب العاصي، إذا عصى بكبيرة، إنه عصى ربا عظيما، لا نهاية لعظمته. وكذلك يخلد في المذاب خلودا، لا نهاية له.
قال المؤلف: وقول المسلمين في توحيدهم لربهم: إن لله ثوابا لا يشبهه ثواب، وعقابا لا يشبهه عقاب. فلو كان في ثوابه وعقابه نهاية ومنتهى وأمد ينقطع إلى وصوله، وينتهي إليه، لأشبه ثواب المخلوقين وعقابهم.
فإن قيل: كيف هذا، وقد قال تعالى: { من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها } والسيئة لها منتهى.
قيل له: إنه تعالى قال: { مثلها } في التعديل. والحق أنه لا يعذب الكافر كعذاب المنافق. والمنافق أشد عذابا. وكل يعذب بقدر عمله، في الجزاء والتفاضل؛ لأن للنار دركات، وللجنة درجات. قال الله تعالى: { ولكل درجات مما عملوا ولوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون } وقال في أهل النار: { ولكل ضعف ولكن لا تعلمون } . وبالله التوفيق.
الباب الثاني والخمسون والمائة
في الجنة والنار أخلقنا أم لم تخلقا بعد؟
قال المؤلف: اختلف الناس في ذلك.
وحجة من اقال: إنهما خلقتا. قول الله تعالى: { قلنا اهبطوا منها جميعا } والهبوط من الشيء لا يكون إلا وقد خلق. وقال في الجنة والنار: أعدت للمتقين وأعدت للكافرين } والمعد: المهيأ الذي قد فرغ منه.
صفحه ۱۳۶