وروي: "الطيرة شرك"، قال الترمذي: "هي سوء الظن بالله والهرب من قضائه، لأن العرب كانوا يعتقدون أن ما يتشاءمون به سبب مؤثر في حصول المكروه، ومن اعتقد أن غير الله تعالى يضر أو ينفع، فقد أشرك" زاد يحيى القطان عن شعبة: "وما منا إلاّ من يعتريه الوهم قهرًا، ولكن الله يهديه بالتوكل". ومن لطيف ما حكي، أنه عرض على أبي مسلم الخراساني فرس لم ير مثله، فقال: "لماذا يصلح هذا الجواد؟ قالوا: للغزو في سبيل الله؛ فقال: لا. قالوا: يطلب عليه العدو، فقال: لا. قالوا: فلماذا يصلح أصلح الله الأمير؟ فقال: ليركبه الرجل ويفر من المرأة السوء والجار السوء". وقيل: من سعادة المرء: امرأة حسناء ودار قوراء، وفرس مربوطة بالفناء.
الفصل الرابع فيما ورد من النهي عن أكل لحومها وإخصائها وجز نواصيها وأذنابها
قال تعالى: "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة". وعن خالد بن الوليد ﵁: "أن رسول الله ﷺ نهى عن أكل لحوم الخيل"، أي: وإن كان حلالًا لئلا يقل نسلها، فتفقد آلة في الجهاد، وقد خصها الله بسهمين من الغنيمة دون غيرها لفضلها. ونهى ﷺ عن إخصائها. فقد ورد عن عمرو بن العاص قال: "أصاب رسول الله ﷺ فرسًا من حدس "حي من اليمن" فأعطاه رجلًا من الأنصار وقال: إذا نزلت فانزل قريبًا مني فإني أتسار إلى صهيله. ففقده ليلة، فسأل عنه، فقال: يا رسول الله خصيناه، فقال مثلت به - يقولها ثلاثًا -، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة أعرافها وأدفاؤها، وأذنابها مذابّها التمسوا نسلها وباهوا بصهيلها المشركين".
وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: "نهى رسول الله ﷺ عن إخصاء الخيل"، أي: إن لم تخف منه العض أو سوء الخلق، كما بينه الفقهاء. وعن مكحول: "نهى رسول الله ﷺ عن جز أذناب الخيل وأعرافها ونواصيها وقال: إنما أذنابها مذابها وأعرافها أدفاؤها وأما نواصيها ففيها الخيل". وعن أنس بن مالك عنه ﷺ: "لا تهلبوا أذناب الخبل، ولا تجزوا أعرافها ونواصيها" وقال: "البركة في نواصيها، ودفاؤها في أعرافها، وأذنابها مذابها". وعن الشعبي قال: "قرأت كتاب عمر بن الخطاب ﵁ إلى عامله على الكوفة سعد بن أبي وقاص ينهى حذف أذناب الخيل وأعرافها وإخصائها ويأمر أن يجري من رأس المئتين، وهو أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة 'لاف ذراع، والبريد ثلاثة فراسخ، وأول من جز ناصية فرسه وذنبها الحارس بن عباد يوم تحلاق اللمم في أيام حرب البسوس، وذلك أنه لما سمع بقتل ولده بجير دعا بفرسه النعامة فجيء بها فجز ناصيتها وذنبها ونادى في قومه، وأنشد قصيدته التي مطلعها:
كل شيء مصيره للزوال ... غير ربي وصالح الأعمال
ومنها:
قربا مربط النعامة مني ... لقحت حرب وائل عن حيال
فاتخذت العرب ذلك سنة، إذا أرادوا إدراك الثأر، فعلوا ذلك بخيلهم. فلما بلغ المهلهل فعل الحارث، دعا بفرسه المشهر وفعل به ما فعله الحارث بالنعامة وقال قصيدته التي مطلعها: هل عرفت الغداة من أطلال ... رهن ريح وديمة مهطال
ومنها:
قربا مربط المشهر مني ... لكليب الذي أشاب قذالي
تتمة قي سقوط الزكاة عنها
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: "إن الله تجاوز لكم عن صدقة الخيل". وعن عمر بن الخطاب ﵁: "إن النبي ﷺ لم يأخذ من الخيل صدقة". وعن سلمان بن يسار "أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة: خذ من خيلنا صدقة فأبى، ثم كتب إلى عمر فأبى فكلموه أيضًا فكتب إلى عمر فكتب إليه: إن أحبوا فخذها منهم وارددها". أي: على فقرائهم لقوله تعالى: "والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة" فهي زينة الله التي أخرج لعباده، فالحيوان الذي له الكر والفر أنفع حيوان في الجهاد في سبيل الله فالأغلب أنه لله، وما كان لله فليس فيه حق الله، وأما إذا كانت سائمة ففيها الزكاة. روي عن جابر أن رسول الله ﷺ قال: "في الخيل السائمة في كل فرس دينار".
الباب الثاني في بيان أنواعها وفضل الذكر منها على الأنثى وفيه خمسة فصول
صفحه نامشخص