فإن نفضت مرارًا وظهرت علامات الرطوبة كالسيلان مثلًا، يرغى الصابون على اليد ويغسل الرحم بلطف ثم يعاد النزو أو تؤخذ قطعة صغيرة من الرصاص وتجعل في شيء من صوف إبط الغنم ثم يدخل في فرج الفرس فإذا وجد فيها فتق يجمع طرفاه ويؤخذ من النمل الصغير واحدة وتضع فمها عليهما فإذا عضتهما قطع رأس النملة وترك متعلقًا بهما. ثم تؤخذ ثانية ويفعل بها كالأولى إلى أن يلتئم الفتق وينزى عليها الفحل.
وذكر داود أن الفرس إذا لم تحمل وسقيت من الراوند التركي مع دبس العنب وحملت صوفة من نشارة العاج ولبن الخيل تحمل وهو مجرب.
ومن علامات الحمل صغر طرف الفرج وانكماشه وحدة النظر. والفرس تطلب الفحل إذا بلغت ثلاث سنين. فإذا طلبته وحنت إليه، قيل لها مستأنفة، كما يقال للناقة متنافرة، وللبقرة منابتة، وللحمارة طالبة، ومدة الحمل أحد عشر شهرًا. قال أرسطو: إن مدة الحمل في كل حيوان مضبوطة إلاّ في الإنسان فإن لم تضع قيل جرت، وكلما جرت كان فلوها أقوى، وأكثر زمن الجر خمسة عشرة يومًا، فإن درت الحلمة اليمنى قبل اليسرى أو كانت الحلمتان سوداوين أو مضغ شيء من حليبها على الظفر فسال كان الحمل ذكرًا.
وينبغي بعد قطع السرة أن يملس حدا الفلو، حين وضعه، وفمه، ويفتح منخراه، ويلين عسيبه، بحيث يرفعه إلى أعلاه برفق، ويقطع لحمة حافره المسماة بالنسر، ثم يحمل بلطف ويلقم ثدي أمه كي يعتاد، وأن لا يفطم إلاّ بعد سبعة أشهر، وأن يسقى بعد الفطام حليبًا شهرًا، ثم شهرين بعده مضافًا بدقيق الشعير، فإن أديم على ذلك سنة اشتد قوة، وعظم نجاحًا. وحليب الإبل أصلح للفلو من غيره وفيه خاصية للجري، ويزيد في المخ والعصب، وينقص اللحم، قال ابن خلدون: والمتغذى بلبن الإبل يؤثر في خلقه الصبر والاحتمال، والقدرة على حمل الأثقال إذ هي من أخلاق الإبل وتكون إمعاؤه في الغلظ والصحة كإمعائها لا يطرقها وهن ولا ضعف. والمطلوب أن يكون الفحل نجيبًا صحيح النسبة، خاليًا من العيوب لأن الفلو يأتي مشابهًا لأبيه في جميع حالاته، فإن لم يجد الرجل لفرسه فحلًا من نسبها أو ما يقاربه، يتركها بلا تقفيز إلى حين وجوده، ويطلبه وإن بعدت المسافة. ومنهم من يجعل على فرج الأنثى قفلًا لئلا ينزو عليها مجهول النسب ويسمونه الكتبة، يقال كتب على فرسه أو ناقته أي خزم حياءها بحلقة من حديد أو صفر، تضم شفري حيائها لئلا ينزى عليها، قال الشاعر:
لا تأمنن فزاريًا خلوت به ... على قلوصك واكتبها بأسيار
ومن نزى على فرسه غير جواد غسل رحمها بأدوية مفسدة لماء الفحل، ولهم في غسله مهارة تامة، والحاصل أنهم يغارون على محافظة أنساب خيلهم كما يغارون على محافظة أنسابهم ويحضرون عند النزو شهودًا. قال صاحب إنسان العيون: "إن عروة بن زيد الخيل وفد على عبد الملك بن مروان وقاد إليه خمسًا وعشرين فرسًا، ونسب كل واحدة منهن إلى آبائها وأمهاتها وحلف على كل فرس يمينًا غير اليمين التي حلف بها على غيرها، فقال عبد الملك: عجبي من اختلاف أيمانه أشد من عجبي من معرفته بأنساب الخيل، وقد كانوا يعتنون بالمحافظة على أنساب جمالهم حيث أنهم كانوا يرسلون في الإبل فحلًا يسمونه سدومًا، ليهدر بينها، فإذا ضبعت أخرجوه عنها، لدناءة أصله، وأرسلوا فيها فحلًا كريمًا فإذا كان هذا اعتناؤهم بجمالهم فما بالك بمحافظتهم على أنساب خيلهم بل ما بالك بالمحافظة على أنسابهم من الخلل والطعن".
واعلم بأن العيوب التي يستحب أن يكون الفحل سالمًا منها، أن لا يكون أخذى: أي أصول أذنيه مسترخية، ولا أمغر، أي ذهب شعر ناصيته، ولا أدغم: أي غطت ناصيته عينيه، ولا أسعف: أي في ناصيته بياض، ولا أحول: أي أبيض مؤخر عينيه وغار السواد إلى مآقيه، ولا أقنى: أي في أنفه احديداب، ولا مغربًا: أي ابيضت أشفار عينيه مع زرقة العينين، ولا أدنى أي اطمأن عنقه من أصله، ولا أقصى: أي في عنقه قصر ويبس، ولا أكتف: أي في أعالي كتفيه انفراج، ولا أزور: أي يدخل إحدى فهدتيه ويخرج الأخرى، ولا مخطفًا: أي لحق ما خلف مخرمه من بطنه، ولا هضيمًا: أي مستقيم الضلوع التي دخلت أعاليه. قال الأصمعي: "لا يسبق في الحلبة أهضم". وقال النابغة:
خيط على زفرة فتم ولم ... يرجع إلى دقة ولا هضم
1 / 64