قال الأصمعي: سئل ابن الهلالية فارس أعوج عن أعوج فقال: ضللت في بعض مفاوز بني تميم فرأيت قطاة تطير فقلت: والله ما تريد إلا الماء فاتبعها. ولم أزل أغض من عنان أعوج حتى وردت. وهذا أغرب ما يكون، لأن القطا شديد الطيران، وإذا قصد الماء كان أشد، ولم يكفه، حتى قال أغض من عنانه ولولا ذلك لسبق القطا. وروي أن أمه نتجته ببعض بيوت الحي وكان عندهم أضياف فرأوه يضع طرف جحفلته على كازنها أي أصل الفخذ مما يلي الحياء، فقالوا: أدركوا ذاك الفرس لا ينزي على فرسكم وذلك لعظمه وطول قوائمه فقاموا إليه فإذا هو بالمهر.
ونسبوا الحنفا فرس حجر بن معاوية أنها أخت داحس لأبيه من ولد العقال والغبراء خالة داحس وأخته لأبيه وهما سبب الحرب بين بني عبس وذبيان فمما روي أن قيس بن زهير سيد بني عبس اشترى من مكة درعًا تسمى ذات الفضول وورد بها إلى قومه فرآها عمه الربيع بن زياد فأخذها منه فغضب قيس وانتقل بأهله ونزل على بني ذبيان وسيدهم حمل بن بدر وأخوه حذيفة فأكرموه وأحسنوا جواره. وكانت لقيس خيل كريمة من جملتها داحس وسمي بذلك، لأنه كان لقرواش اليربوعي فرس تمسى جلوى ولحوط اليربوعي فحل اسمه ذو العقال لا يطرقه، فتوجها في نجعة والفحل مع ابنتين له يقودانه، فمرت به جلوى وكانت وديقًا؛ فلما استنشاها ودى، فضحك شباب منهم، فاستحبت الفتاتان فأرسلتا مقوده فوثب على جلوى؛ ثم جاء حوط فرأى عين فرسه فقال: نازٍ والله، فأخبر بالخبر، فنادى بني يربوع فاجتمعوا وقالوا: والله ما أكرهناه. فقال: أريد ماء فرسي، فقالوا له: دونك. فأوثقها حوط، وجعل في يده ترابًا وأدخلها في فرج الفرس، وسطا عليها فاشتمل الرحم على ما بقي فيها، فأنتجت مهرًا فسماه داحسًا لسطوة حوط عليه ودحسه إياه، وخرج داحس كأبيه، ثم إن قيسًا أغار على بني يربوع فغنم وسبا ولم ينج منهم غير فتيين من بني أريم وقطعا الخيل وكان فيها داخس فلما رآه قيس أعجب به وأخذه فداء للسبي وصار لقيس، فتراهن رجلان من بني ذبيان عليه وعلى الغبرا فرس حذيفة ابن بدر على عشر قلائص، وأخبرا حذيفة بالرهان على فرسه وفرس قيس فرضي وأمضاه، ثم أخبرا قيسًا بذلك فقال: راهنا من شئتما وجنباني بني بدر، فإنهم قوم يظلمون فقالا: قد أوجبنا الرهان مع حذيفة، فقال: والله ليشتعلن علينا شرًا. ثم جاء قيس إلى حذيفة فقال: إنما جئتك لأواضعك الرهان عن صاحبي، فقال: لا والله حتى تأتي بالعشر قلائص، فغضب قيس وتزايدا حتى بلغا مئة قلوص ووضعا الرهان على يد رجل من بني ثعلبة، وجعلا الغاية مئة غلوة، والمضمار أربعين ليلة، ولما تمت المدة، جعل حمل بن بدر فتية في شعب هضب القليب على طريق الفرسين وأمرهم إن جاء داحس سابقًا أن يردوا وجهه عن الغاية. فلما أحضر أخرجت الأنثى عن الفحل فقال حمل: سبقتك يا قيس، فقال قيس: رويدًا يعدوان الجدد إلى الوعث وترشح أعطاف الفحل، فلما أوغلا عن الجدد وخرجا إلى الوعث وترشح أعطاف الفحل، فلما أوغلا عن الجدد وخرجا إلى الوعث برز داحس عن الغبرا، فقال قيس: جري المذكيات غلاء، فذهبت مثلًا. وقد ضمن هذا المثل ابن هاني الشاعر في قصيدة يمدح المعز لدين الله:
والأعوجيات التي إن سوبقت ... سبقت وجري المذكيات غلاء
الطائرات السابحات السابقات ... الناجيات إذا استحث نجاء
والبائس في جمر الوغى لكماتها ... والكبرياء لهن والخيلاء
لا يصدرون نحورها يوم الوغى ... إلا كما صبغ الخدود حياء
والغلاء: جمع غلوة، وهو مدى الرمي، ويقال: جري المذكيات غلاب - بالباء الموحدة - أي: جري المسان من الخيل مغالبة، وذلك أن المذكية وهي التي تمت قوتها تحمل على الخشن من الأرض، للثقة بقوتها وصلابتها، وأنها ليست كالجذاع الصغار التي يطلب لها الرخاوة من الأرض لضعفها وصغرها. فإنها لا تثبت ثبات المذكيات، ولما أشرف داحس على الغاية ودنا من الفتية وثبوا في وجهه وردوه ففي ذلك يقول قيس:
وما لاقيت من حمل بن بدر ... وإخوته على ذات الأصاد
هم فخروا علي بغير فخر ... وردوا دون غايته جوادي
1 / 62