قال البديع الهمذاني: حدثنا عيسى بن هشام قال: حضرنا مجلس سيف الدولة يومًا وقد عرض عليه فرس فقال لجلسائه أيكم أحسن صفته جعلته صلته. فكل جهد جهده وبذل ما عنده، فقال بعض غلمانه: أصلح الله الأمير، إني رأيت بالأمس رجلًا يطأ الفصاحة بنعليه، وتقف الأبصار عليه، يسلي الناس ويشفي الباس، فلو أمر الأمير بإحضاره لفضلهم بأحضاره، فقال سيف الدولة: علي به في هيئته فسار الغلمان في طلبه، ولما جاؤوا به، أدخلوه وهو في طمرين فسلم، ولما رآه سيف الدولة أمر له بالجلوس وأدنى مجلسه وقال: بلغنا عناك حاضرة فاعرضها بهذا الفرس ووصفه. فقال: أصلح الله الأمير، كيف أصفه قبل ركوبه وكشف محاسنه وعيوبه. فقال: اركبه فركبه وأجراه ولما نزل عنه قال: هو طويل الأذنين قليل لحم الاثنين، لين الثلاث غليظ الأكرع، غامض الأربع، شديد النفس، لطيف الخمس، ضيق القلت رقيق الست، حديد السمع، غليظ السبع رقيق اللسان، عريض الثمان، شديد الضلع، قصير التسع، واسع الشجر، بعيد العشر، يأخذ بالسانح، ويطلق بالرامح، ويطلع بلائح، ويضحك عن قارح، بخروجه الكديد بمذاق الحديد، يحضر كالبحر إذا ماج، والسيل إذا هاج، فقال: خذه مباركًا عليك، فقال له: لا زلت تأخذ الأنفاس وتمنح الأفراس. قال عيسى فلما انصرف تبعته وقلت له: لك علي ما يليق بك من الحلل لركوب هذا الفرس إن فسرت ما وصفت، فقال: سل عما أحببت، فقلت ما معنى قولك قليل لحم الاثنين؟ قال: لحم الوجه والمتنين. قلت: فما معنى لين الثلاث؟ قال: المردغتين والفرق والعناق، قلت: فما معنى غامض الأربع؟ قال: أعلى الكتفين والمرفقين والحجاجين والشظا، فقلت: أحسنت. فما معنى لطيف الخمس؟ قال: الزور والنسر والجبة والعجاية والركبة، فقلت: أجدت ما معنى رقيق الست؟ قال: الجفن والسالفة والحجفلة والأديم وأعلى الأذنين والفرضين، فقلت: لله أبوك، فما معنى غليظ السبع؟ قال: الذراع والمخرم والعكوة والشوى والرسغ والفخذين والحبال، فقلت: حياك الله فما معنى عريض الثمان؟ قال: الجبهة والصهوة والكتف والجنب والعصب والبلدة وصفحة العنق، فقلت: لله درك فما معنى قصير التسع؟ قال: الشعرة والأطرة والعسيب والقضيب والعضدين والرسغين والنسا والظهر والوظيف، فقلت: ما معنى بعيد العشر؟ قال: بعيد النظر والخطو وأعالي الجنبين وما بين الوقبين والجاعرتين وما بين القرابين والمنخرين وما بين الرجلين، وما بين النقبة والصفاق، والقامة في السباق، فقلت له: من أين أخذت هذا العلم؟ قال: من الثغور الأموية وبلاد الاسكندرية، فقلت له: أنت مع هذا الفضل تعرض وجهك لهذا البذل، فقال:
ساخف زمانك جدا ... فالدهر جد سخيف
دع الحمية نسيًا ... وعش بخير وريف
وقل لعبدك هذا ... يجيء لنا برغيف
وقال ابن عائشة:
قصرت له تسع ةطالت أربع ... وزكت ثلاث منه للمتأمل
وكأنما سأل الظلام بمتنه ... وبد الصباح بوجهه المتهلل
وكأن راكبه على ظهر الصبا ... من سرعة أو فوق ظهر الشمأل
فقوله زكت: أي نمت وطالت.
ومن أوصافها الممدوحة أن يكون شق شدقيها واسعًا. قال الشاعر:
هريت قصير عذار اللجام ... أسيل طويل عذار الرسن
الهريت: واسع الفم، وقصير عذار اللجام: دليل أسل الخد، وطول عذار الرسن: دليل طول العنق. وقال آخر:
طويل متن العنق أشرف كاهلًا ... أشق رحيب الجوف معتدل الجرم
وقال أبو دؤاد:
فهي شوهاء كالجوالق فوهًا ... مستجاف يضل فيه الشكيم
الشوهاء: واسعة الأشداق، ولا يقال للذكر أشوه. وقال آخر:
إذا ما نتبشت طرحت اللجا ... م في شدق الجرد والسلهب
يبذ الجياد بتقريبه ... ويأوي إلى حضر ملهب
كميت كأن على متنه ... سبائك من قطع المذهب
كأن القرنفل والزنجبي ... ل يعلو على ريقه الأطيب
ومنها أن تكون رحبة المنخر، قال امرؤ القيس:
وقد اغتدي ومعي القانصان ... فكل بمربأةٍ مقتفر
فيدركنا فعم داجن ... سميع بصير طلوب نكر
ألص الضروس حبي الضلوع ... تبوع طلوب نشيط أشر
فأنشب أظفاره في النسا ... فقلت هبلت ألا تنتصر
فكر إليه بمبراته ... كما خل اللسان المجر
فظل يرنح في غيظل ... كما يستدير الحمار النعر
1 / 34