فمن ذلك قول الشيخ شهاب الدين محمود: ينهي وصول ما أنعم به من الخيل التي وجد الخير في نواصيها، واعتد صهواتها حصونًا يعتصم في الوغى بصياصيها، "فمن أشهب غطاه النهار بحلته، وأوطأه الليل على أهلته، يتموج أديمه ريا، ويتأرج ريا، ويقول من استقبله في حلي لجامه هذا الفجر قد طلع بالثريا، إن التقت المضايق انساب انسياب الأيم. وإن انفرجت المسالك مر مرور الغيم، كما أبصر فارسه يومًا أبيض بطلعته، وكم عاين السنان مقاتل العدا في ظلام النقع بنور أشعته لا يسير ذو حسن في مضماره، ولا تطمع الغبراء في شق غباره، ولا يظفر لاحق من لحاقه بسوى آثاره، تسابق يداه مرامي طرفه، ويدرك شوارد ثانيًا من عطفه* ومن أدهم حالك الأديم، حالي الشكيم له مقلة غانية وسالفة ديم، قد ألبسه الليل برده، فأطلع بين عينيه سعده، يظن من نظر إلى سواد طرته، وبياض حجوله وغرته، أنه خال النهار نهرًا فخاضه، فألقى بين عينيه نقطة من رشاش تلك المخاضة، لين الأعطاف، سريع الانعطاف، يقبل كالليل، ويمر كجلمود صخر حطه السيل، يكاد يسبق ظله، ومتى جارى السهم إلى غرضه بلغه قبله، ومن أشقر وشاه الغدو بلهبه، وغشاه الأصيل بذهبه، يتوجس لديه برقيقتين، وينفض وقرتيه على عقيقتين، وينزل عذار لجامه بين سالفتيه على شقيقتين، له من الراح لونها، ومن الريح لينها، إن أجري فبرق خفق، وإن أسرج فهلال على شفق، لو أدرك أوائل حرب بني وائل لم يكن للوجيه وجاهة، ولا للنعامة نباهة، ولكان ترك إعارة سكاب لؤمًا وتحريم بيعها سفاهة، يركض ما وجد أرضًا، وإذا اعترض به راكبه بحرًا وثبه عرضًا، ومن كميت نهد، كان راكبه مهد، عندمي الإهاب، شمالي الذهاب، يزل الغلام الخفيف عن صهواته، كأنه نغم القريض أو معبد في لهواته، فسيح الخطا، قصير المطا، إن ركب للصيد قيد الأوابد، وأعجل عن الوثوب الوحوش اللوابد، وإن جنب إلى حرب لم يزور من وقع القنا بلبانه، ولم يشك لو علم الكلام بلسانه، ولم ير دون بلوغ الغاية وهي غرض راكبه ثانيًا من عنانه، وإن سار في سهل اختال براكبه كالثمل، وإن أصعد في جبل طار في عقابه كالعقاب وانحط في مجريه كالوعل، متى ما ترق العين فيه تسهل، ومتى أراد البرق مجاراته قال له الوقوف عند قدره ما أنت هناك فيهمل، ومن حبشي أصفر يروق العين ويشوق القلب لمشابهته العين، كأن الشمس ألقت عليه من أشعتها جلالًا، وكأن نفر من الدجى فاعتنق منه عرفًا واعتلق حجالًا، ذو كفل زين سرجه، وذيل يسد إذا استدبر فرجه، قد أطلعته الرياضة على مراد فارسه وأغنته نضارة لونه ونظارته عن ترصيع قلائده، وتوشيح ملابسه، له من البرق خفة وطئه وخطفه، ومن النسيم لين مروره ولطفه، ومن الريح هزيزها إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه يطير باللمز، ويدرك بالرياضة مواقع الرمز، ويعدو كألف الوصل في استغناء مثلها عن الهمز، ومن أخضر حكى من الروض تفويفه، ومن الوشي تقسيمه وتأليفه، قد كساه النهار والليل حلتي وقار وسنا، واجتمع فيه من البياض والسواد ضدان لما اجتمعا حسنًا، ومنحه الباري حلية وشية، ونحلته الرباح ونسماتها قوة ركضه وخفة مشيه، يعطيك أفانين الجري قبل سؤاله، ولما لم يسابقه شيء من الخيل أغراه حب الظفر بمسابقة خياله، كأنه تفاريق شيب في سواد عذار أو طوالع فجر خالط بياضه الدجى فما سجى، ومازج ظلامه النهار فما أنار يختال لمشاركة اسم الجري بينه وبين الماء في السير كالسيل، ويدل بسبقه على المعنى المشترك بين البروق اللوامع وبين البرقية من الخيل، ويكذب المانوية لتولد اليمن بين إضارة النهار وظلمة الليل، ومن أبلق ظهره حرم وجريه ضرم إن قصد غاية، فوجود الفضاء بينه وبينها عدم، وإن صرف في حرب فعمله ما يشاء البنان والعنان، وفعله ما يرد الكف والقدم قد طابق الحسن بين ضدي لونه، ودل على اجتماع النقيضين علة كونه، وأشبه زمن الربيع باعتدال الليل فيه والنهار، وأخذ وصف الدجى في حالتي الإبدار والسرار لا تكل مناكبه، ولا يضل في حجرات الجيوش راكبه، ولا يحتاج ليله المشرق بمجاورة نهاره إلى أن تسترشد فيه كواكبه، ولا يجاريه الخيال فضلًا عن الخيل ولا يمل السرى إذا كل مشبهاه النهار والليل، ولا تتمسك البروق اللوامع من لحاقه بسوى الأثر فإن جهدت، فبالذيل فهو الأبلق الفرد، والجواد الذي لمجاريه العكس، وله الطرد قد أغنته شهرة لونه في جنسه عن الأوصاف،
1 / 19