وذهب الجمهور من العلماء إلى أنه من الملائكة، وأحتجوا بأنَّه لو كان من غير الملائكة لما كان ملومًا في ترك السجود، ن الأمر إنما يتناول الملائكة دون غيرهم، قال: وأمَّا ما احتج به من أنهم: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ٦٠] وأنه أنفى نفيًا عامًا، فإن العموم قد يختصُّ من الشيئ، نحو قوله تعالى: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣]، وقد علم أن المعنى: وأوتيت من كل شيء يؤتاه الملوك، ولم يرد جميع الأشياء قال: وأمَّا احتجاجه بقوله تعالى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ [الكهف: ٥٠] فإن الجن جنس من الملائكة، وقيل يقع الجن على جميع الملائكة؛ لاجتنانها عن العيون، قال أعشى بن ثعلبة:
ولو كان شيء خالدًا أو معمرًا لكان سليمان البري من الدهرِ
براهُ إلهي واصطفاهُ عبادُه وملكه ما بين ثريا إلى مصرِ
وسخر من جنًّ الملائك تسعة قياما لديه يعملون بلا أجرِ
وقال تعالى" ﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ [الصافات: ١٥٨]، وقال: ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ [الصافات: ١٥٨]، فالجنَّ هاهنا الملائكة بلا خلاف؛ لأنَّ قريشًا قالت: الملائكة بنات الله، فرد الله عليهم. وأما قوله: إن لإبليس نسلًا وذرية، والملائكة ليست كذلك، فلا دليل فيه؛ لأنَّ الله تعالى لما أهبطه إلى الأرض ولعنه تغيرت حاله عن حال الملائكة، فإذا كان كذلك لم تصح الدلالة بذلك، وأما قوله: أنه مخلوق من النار والملائكة خلقوا من الريح، فقال الحسن: الملائكة خلقوا من النور، والنار والنور سواء، وقوله: الملائكة لا يطعمون ولا يشربون، والجن يطعمون ويشربون، فقد جاء عن العرب ما يدل على أنهم لا يطعمون ولا يشربون.
أنشد أبو القاسم الزجاجي.
1 / 135