كان أرسطاطاليس يرى أن الرق مشروع وأنه نافع للعبد والسيد معا، فخيل إلى كثير من الناس أن أرسطاطاليس كان من الدعاة إلى الرق والحاثين عليه، وكفى ذلك للقضاء على الفيلسوف بأنه خصم الحرية وعدوها، ولكن الرجل كما قلنا لم يكن يقيم نظرياته العلمية في الهواء ولا يستمدها من الخيال، وإنما كان يقيمها في الخارج ويستمدها من الحقائق الواقعة، وقد كان الرق في عصره أصلا من أصول الاجتماع، فلم يكن بد من الاعتراف به، ولم يكن بد من تعليله؛ لأن شيئا في هذا العالم لا يقع من غير أن تكون له علة، وقد اعترف به أرسطاطاليس وبأنه مشروع، ورأى أن علة هذا الشرع هو أن طائفة من الناس قد منحت من الكفاية المادية والمعنوية ما يجعلها أهلا لأن تأمر، وطائفة أخرى قد حرمت هذه الكفاية فهي مضطرة إلى أن تطيع، وبأن حسن الوفاق بين هاتين الطائفتين وقيام كل واحدة منهما بما عليها من واجب شيء لا بد منه لحياة الاجتماع.
فأي خطأ علمي في هذه النظرية؟ وأين السبيل إلى أخذ أرسطاطاليس بأنه أقل من الفلاسفة المحدثين نصرا للحرية وميلا إليها؟ ولو أننا أردنا أن نستقصي الأمر لوجدنا أن نظرية أرسطاطاليس ما زالت قائمة واقعة برغم ما كان من رقي المدنية ومن الاعتراف بكرامة الإنسان.
فكل ما وصلنا إليه بعد عشرين قرنا إنما هو إزالة الرق الشخصي - إن كنا قد وصلنا إلى ذلك - فأما الرق الاجتماعي فما زال قائما موجودا، والاستعمار أوضح مثال له وأقوى دليل عليه، ولسنا نريد أن نعرض لاستعباد الطبقات بعضها بعضا، وإن كان هذا الاستعباد صورة من صور الرق.
الرق موجود وأكثر الفلاسفة عنه راضون، نعم إن هناك طائفة تنكره وتنصب الحرب له، ولكن من قرأ أرسطاطاليس عرف أنه من أعداء الرق، ومن الذين أعدوا لإزالته والقضاء عليه، فهو يرى أن للرقيق شخصية خلقية تعدل شخصية سيده، وأن قتل الرقيق جناية تعدل قتل الحر، وأن الإساءة إليه جريمة تعدل الإساءة إلى الحر، فلم يبق إلا أن يستحيل الرقيق ويرتقي حتى يحصل من الكفاية على ما حصل عليه سيده ليكون حرا مثله.
على أن أرسطاطاليس كما قدمنا لم يدع إلى الرق، وإنما اعترف به وبأنه مشروع، ولو فعل غير ذلك لهدم قواعده العلمية.
شيء آخر يميز أرسطاطاليس من أفلاطون هو رأيه في السياسة، فإن حكومة أفلاطون كما تمثلها الجمهورية إنما هي حكومة حربية قبل كل شيء، يرأسها الفلاسفة وتقوم على هدم الملك، بل على هدم الزواج وجعل الأشياء حقا مشتركا للناس جميعا، وجعل النساء شركة بين الرجال والرجال شركة بين النساء،
1
وعلى الجملة هدم الملك ومحو صلات القرابة ومحو شخصية الفرد.
ولئن كان أفلاطون قد استأنس في إقامة نظريته بشيء من النظم اليونانية الموجودة،
2
صفحه نامشخص