كل هذا لم يمنعه من أن يحيا لنفسه؛ أي من أن يعيش عيشة رجل يحب الحياة ويريد أن يستمتع بلذاتها المادية والمعنوية، فقد روى التاريخ لنا أن أرسطاطاليس لم يكن خشنا ولا متزهدا، وأنه كان يحب لذات الحياة وما فيها من ترف، وكان يعنى بزيه وتنسيق لبسته، وروى لنا أيضا أنه كان مع هذا أبا برا وزوجا كريما يريد أن يوفر لذة الحياة على أسرته.
ثم روى لنا مع هذا كله أنه كان أديبا متظرفا يقول الشعر ويدبج الخطب ويجيد الرسائل، وأنه قد ضرب في كل ذلك بسهم، فهذا يدلك على مقدار القوة العملية التي كان يمتاز بها هذا الرجل والتي أنفقها منذ شب إلى أن مات.
على أن شيئا من التحقيق لا بد منه، فليس يكفي أن نثبت للرجل كل ما قدمنا من غير أن نعرف كيف تأتى له القيام به والوصول إليه.
فإن من ألم بظروف الحياة في ذلك العصر عرف أنه لم يكن من الميسور أن يقوم رجل واحد بمثل ما قام به أرسطاطاليس من جمع وتحصيل، ومن كتابة وترتيب، ومن درس وتعليم، على شقة المواصلات وصعوبة النشر وعسر التحصيل.
نعم إن الإسكندر قد سهل على أرسطاطاليس عمله تسهيلا غير قليل بما منحه من مال، وبما أرسل إليه من حيوان ونبات، ولكن كل هذا لا يكفي لتمكينه من القيام بما قام به، فلو أننا أردنا أن نقسم على أيام أرسطاطاليس ما ألف من كتب قد بلغت عشرات الآلاف من الصحف ومئات الآلاف من السطور فيما يقول القدماء لاستغرقت كتابتها أكثر وقته، فما بالك بإعدادها والتفكير فيها وما بالك بدرسه وما بالك بحياته المنزلية.
فلا شك إذن في أن الرجل قد كان له أعوان من أصحابه وتلاميذه أضافوا وقتهم إلى وقته وجهدهم إلى جهده وانمحت شخصياتهم بجانب شخصيته.
وإذا أردت أن أتصور اللوكايوم أو مدرسة أرسطاطاليس، فإنما يخيل إلي أنها إنما كانت جامعة علمية أدبية يختلف إليها عدد ضخم من التلاميذ الأتينيين وغير الأتينيين، وكل هؤلاء التلاميذ كان يجمع ويحصل ويكتب ويؤلف بإرشاد أرسطاطاليس وتحت ملاحظته.
هذا شيء تدلنا عليه كل الحياة العلمية لهذا العصر، فإن هذا العصر إنما كان يمتاز بالميل إلى جمع الآثار المختلفة في العلوم والفنون المختلفة وتكوين شيء يقرب مما نسميه الآن دائرة المعارف، وبهذه الطريقة اجتمع لأرسطاطاليس شيء غير قليل من الكتب، وسميت باسمه وظهرت في كثير منها شخصيته؛ لأنه قام على تأليفها وترتيبها.
ومهما يكن من شيء فإن الآثار المنسوبة إلى أرسطاطاليس تنقسم أولا إلى ثلاثة أقسام: (1)
آثار أدبية شخصية ليس من شك في أن أرسطاطاليس هو منشئها، وهي أشعار وخطب ورسائل في موضوعات مختلفة، وقد ضاع أكثرها ولم يبق منها إلا متفرقات قليلة الغناء. (2)
صفحه نامشخص