Nizam al-Ithbat fi al-Fiqh al-Islami
نظام الإثبات في الفقه الإسلامي
ناشر
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ژانرها
فلا غرابة إذن إذا نبغ في القضاء عدد من الصحابة رضوان الله عليهم، أمثال عليّ ﵁، الذي بعثه النبي ﷺ قاضيًا إلى اليمن قائلًا: " إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضينّ حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء". قال عليّ: فما زلت قاضيًا وما شككت في قضاء بعد " ١.
وعمر بن الخطاب ﵁ الذي جمعت رسالته إلى أبي موسى الأشعري ﵁ أحدث النظريات في النظم القضائية ٢. ومنهم عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت ﵃، وغير هؤلاء كثيرون.
فجاء بذلك الفقه الإسلامي منذ فجره حاويًا لنظامه القضائي الذي يتسق مع عدله وشموله، ومن يرجع إلى كتب الفقه الإسلامي يجد بحوث الفقهاء القيمة في مختلف فروعالقضاء، في ضبط الدعوى وشروطها، ونظام قبولها وردها. وفي مراتب القضاء المطلق منه والمقيد كالحسبة وولاية المظالم، وفي أدب القاضي وما يجب ان يتصف به، وإمكان تخصيصه بالزمان والمكان والدعوى، وفي علاقة القاضي بالحاكم، وغيره من علوم القضاء.
ولعل أهم هذه العلوم ذلك الذي يتعلق بالإثبات. والإثبات كما يعرفه رجال القانون الوضعي هو: إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي يجدها القانون على صحة واقعة قانونية يدعيها أحد طرفي الخصومة وينكرها الطرف الآخر " ٣ أو هو ما عرف عند فقهاء الشريعة الإسلامية بطرق القضاء.
وترجع أهمية الإثبات إلى أنه الأداة الضرورية التي يعول عليها القاضي في التحقيق من الوقائع المطروحة في الدعوى، والوسيلة العملية التي يعتمد عليها الأفراد في صيانة حقوقهم المترتبة على تلك الوقائع، حتى أنه ليصح القول بأن كل تنظيم قضائي يقتضي حتما ً وجود نظام للإثبات. والواقع أن الغالبية العظمى من النظم القضائية نزلت على حكم هذه الضرورة وعنيت بالإثبات، إلا أنها لم تلتزم في ذلك مذهبًا معينا. وبالاستقراء والنظر في هذه النظم نجدها قد سلكت ثلاثة مذاهب في الإثبات:
_________
١ سنن أبي داود ج ٣ ص ٣٢٨ ط هندية حديثة.
٢ كتاب عمر إلى أبي موسى في القضاء أخرجه الدارقطني في سننه ج ٤ ص ٢٠٦ ط دار المحاسن للطّباعة سنة ١٣٨٦ هـ وفي التعليق المغني على الدارقطني لأبي الطيب العظيم أبادي قال: أخرجه البيهقي في المعرفة.
٣ الدكتور عبد الودود يحيى: دروس في قانون الاثبات ص٣. الدكتور أحمد أبو الوفاء: التعليق على نصوص قانون الاثبات ص ٢٢٢
58 / 147