نشوار المحاضرة وأخبار المذاكر
نشوار المحاضرة وأخبار المذاكر
ما احتوى أولئك عليه، وقصورا عن[3 ط]أن تنتج خواطرهم أمثال تلك الفضائل والخصال، وأن تتسع صدورهم لفعل ما يقارب تلك المكارم والأفعال هذا مع أن في زمانهم هذا من العلماء المحتسبين (1) في التعليم، [والحكماء] (2)
والأدباء المنتصبين للتأديب والتفهيم، وأهل الفضل والبراعة، في كل علم وأدب، وجد وهزل وصناعة، من يتقدم بجودة الخاطر، وحسن الباطن والظاهر، وشدة الحذق فيما يتعاطاه، والتبريز فيما يعانيه ويتولاه، كثيرا ممن تقدمه في الزمان، وسبقه بالمولد في ذلك الأوان، ويقتصر منهم على الإكرام دون الأموال، وقضاء الحاجات دون المغارم والأثقال، فما يرفعون به رأسا، ولا ينظرون إليه الا اختلاسا، لفساد هذا العصر، وتباعد حكمه من ذلك الدهر، وإن موجبات الطبائع فيه متغيرة متنقلة، والسنن دارسة متبدلة، والرغبة في التعلم معدومة، والهمم باطلة مفقودة، والاشتغال من العامة بالمعاش قاطع، ومن الرؤساء بلذاتهم البهيمية مانع (3) ، فنحن حاصلون فيما روي من الخبر إن الزمان لا يزداد إلا صعوبة، ولا الناس إلا شدة، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، وما أحسن ما أنشدني أبو الطيب المتنبي لنفسه من قصيدة، في وصف صورتنا:
أتى الزمان بنوه في شبيبته # فسرهم وأتيناه على الهرم (4)
صفحه ۹