وقد تكون امرأة ثرية جميلة الملبس يعجبك منزلها ويبهرك أثاثها، وتكون مع ذلك شحيحة لا ينال العاجزين نفعها أو تكون فظة سيئة العشرة، وتكون أخرى غير جمة المال، ولكنها جمة الفضائل محسنة على المعوزين، فأي الثنتين أنفع للإنسانية وأولى بالدعاء؟! أعجب لنا لماذا نتبارى فيما لا يفيد ونترك النافع من الأمور؟!
المباراة تستدعي الإسراف، والإسراف يعجز مالية الزوج ويثقل كاهله بالديون، والمرأة التي تضطر زوجها ليصرف عليها أكثر مما يستطيع لا تخلو من أحد باعثين؛ إما أن تكون تفعل ما تفعل غير عالمة بعواقب التبذير، فهي إذن كثيرة الشطط جاهلة لا تصح أن تكون مديرة للبيت وللأسرة، وإما أن تكون عالمة بمصير مالية الزوج وتفعل ذلك مختارة، كما يفعل كثيرات كي لا يوفرن للرجل ما يمكن أن يتخذه في يوم من الأيام مهرا لحليلة جديدة أو خليلة عنيدة، فهي مزعزعة اليقين كثيرة الشك تقدر البلاء قبل نزوله، ولا بلاء إلا التزوج بمثلها.
وأكثر ما تنزع المرأة للإسراف في مال الزوج إذا كان لها ضرة تقتسم معها فؤاد الزوج وماله، فإنها تصرف بحساب وبغير حساب كي لا يجد ما يقوم بمصروفات ضرتها، أو كي تنتقم منه لنفسها ليعجز عن الجمع بين اثنتين ويندم، وتحسب أن عجزه وندمه يجعلانه يكتفي بها وحدها، ولكن ما أدراها أنه إذا أراد حذف إحدى الثنتين من جدول نسائه لعلها هي تكون المحذوفة الخاسرة.
وعلى ذكر التصرف بمال الزوج أصرح باستهجان عادة التوفير السري الذي يأتيه كثير من النساء ويحسبن ذلك محمدة؛ فيشترين بما يوفرن حليا ولباسا ويزعمن أن أهلهن أتوا به لهن، أو يصرفنه في السحر والخرافة، وفي ذلك منقصتان: نقيصة الكذب ونقيصة السرقة؛ وأسميها سرقة لأنها لا تفرق عن سرقة اللصوص البتة، وربما كانت الأخيرة أخف من الأولى؛ لأن اللصوص فضلا عن كونهم غرباء عن المسروق منه فإنه قد يعثر بهم فيعاقبهم، أو على الأقل لا يهتدي إليهم ولكن يدري أنه فقد شيئا، أما السرقة الأخرى فإنها من أقرب الناس إليه وألصقهم به ثم هو جاهل بالمرة قد لا يهجس بها، فإذا وفرت المرأة شيئا فإن ذلك يعد مهارة لها واقتدارا، ولكن لتريه لزوجها فيعطيها إياه عن طيب خاطر وسماح، فذلك أهنأ لها وأشرف.
والخلاصة، أن الغنى ليس متيسرا لكل فرد فأولى أن يلزم كل حده؛ لئلا يكون مثلنا كمثل الضفدع التي أحبت أن تبلغ كبر الثور؛ فاستعانت بالماء فانفجر جوفها فماتت، ولتعلم المرأة أنها وكيلة الزوج في ماله وبيته، والوكيل يجب أن يكون أمينا تقيا، وأن التكالب على المباراة صفة مصغرة للنفس، وإني لأزعم أن رجالنا وأبناءنا يقل فيهم الباحث ويندر المخترع أو لا يكاد يوجد؛ لأننا متشبعات بحب التقليد لا تتجدد همتنا بالبحث والاستنباط؛ فيكون لهم من زوجيتنا وأمومتنا محك لأفكارهم أو أسوة ومثال حسن.
المبدأ الرابع: سرعة الغضب والتهديد بالفراق
اتحاد الزوجين وارتباطهما بالحب الصادق هما السعادة الكبرى التي نفتقدها، والتي لا غنى لأحد المتزوجين عنها، ولو رأى سعادة أخرى في غير ذلك؛ فالممول الذي يحسب نفسه سعيدا إذا أحرز الملايين، والعالم الذي يغبط نفسه إذا اشتهرت تعاليمه، والسيدة التي ترى هناءها في اقتناء النفائس، كل هؤلاء مع فرحهم بما وفقوا إليه لا يستغنون عن تلك المحبة الزوجية ، ولا يستكملون سعادتهم وهي ناقصة؛ لأن الإنسان مهما قويت إرادته لا يستطيع أن يتفرغ لأعماله ويفكر وعنده شاغل يزعجه، ولشد ما يقاسي أحد الزوجين من تنغيص الآخر له.
ومن أكبر دواعي الكدر والتنغيص أن تفعل الزوجة لأقل كلمة وترجع إلى قومها غضبى آسفة.
عادة التهديد بالفراق شائعة عندنا شيوعا هائلا مستهان بها كثيرا، فكما ترى الرجل يحلف بالطلاق لغير داع كذلك ترى المرأة تنهزم من بيت زوجها لأوهى الأسباب، يهدد بعضهما البعض بالانفصال في عرض كلامهما، يريد أحدهما بذلك بث خوف الفراق في نفس الآخر ليخشاه، وما من زوجين مرتبطين برابطة ما إلا ويخشيانه، ولكن فاتهما أن ذكره ساعة الغضب مما يثير العواطف ويعلو بالنفس إلى سماء عزتها، وكيف يرضى إباء المهدد وغيظه محتدم أن لا يطلب ما يهدد به ويستخف بالعقاب وإن عظم، فينسى الحقيقة والصالح ويدوس العقبى؛ تفاديا من ضيم نفسه المثارة الهائجة، ولا يشجع النفس الجائشة أكثر من تذكيرها بالخوف، كالجند إذا صح عزمها على القتال، وكانت على حق منه، تراها أكثر ما ترمي بنفسها في حلق الموت حينما ترى نار الحرب مستعرة متأججة، فشدة الموقف تذهب الخوف وتبعث على الإقدام، والغضب كذلك إذا أرخي له العنان ملك صاحبه، ورمى به إلى حيث لم يقدر وهو حليم، والمرأة التي تتغنى دائما بذكر الفراق لأقل خلاف يحدث بينها وبين حليلها أو بينها وبين أهله، قد لا تأمن أن يصدر عليها حكم الفراق المؤبد من زوجها ساعة الغضب، وهي لم تكن لتعضده بالجد وإنما كان هزلا وعادة مستقبحة، سمعت أن إحدى السيدات كانت تطلب الفراق من قرينها كلما شجر بينهما خلاف بسيط أو كلما كدرتها حماتها، وقد تشبثت بذلك الطلب مرة وألحت فيه وألحفت، فسألها الزوج هل تبغي الطلاق حقيقة؟ فأجابت نعم، فلم يسعه إلا أن أخذها إلى القاضي ليترافعا إليه ويتخاصما، وبعد أسئلة وأجوبة رأى القاضي أنها مصرة على تنفيذ رغبتها فأصدر حكمه بالطلاق، ولم يكد يتم كلمته حتى صرخت وأعولت وندمت على ما جنت، ثم طلبت أن ترد إلى زوجها ثانية، فما هذا التناقض واللعب؟! إن هذه المرأة مثلها كثيرات يجنين على أنفسهن وأولادهن، ويبعثرن أسرا كانت ملتئمة لولا الحمق واللين. إذا تعسر عيش المرأة مع زوجها صافيا تعذر إذا طلبت الفراق، وأما إذا كان ذلك تجنيا ومزاحا، فالزوجة أحكم من أن تفصم عراها في التجني والمزاح.
الوالدان أو الأهل لا يزوجون بنتهم إلا وهم راسمون لها خطة سعادتها المستقبلة، ومقتنعون بها ومقررون هدوء بالهم من جهتها، فما أحراها أن تحقق ما يرجون! وهي الواجب بطبيعة الحال أن تخفف مسئوليتها كثيرا عن عاتقهم، أما وهي تشكو لهم مما لا يوجب الشكوى فإنها تبدل صفاءهم كدرا وتأتي بعكس ما كانوا ينتظرون.
صفحه نامشخص