ينظر إليها مصور بندقي بعين الحسد، ويتحول اللون بعد أن يكون أزرق ورديا مشوبا بالأسود إلى أخضر واضح قصديري فإلى بجلي،
20
ثم إلى أسود مخملي، ويحيط بالشمس حلق من دخان أسود كما يحيط بزحل وتلقي آخر شعاع لامع لها، وتسابق الموج، كما في الفجر، فتطير عبر قرصها عصائب من البط البري، وتحول حول النهر الهادئ بلاشين بيض مادة قوائمها وراءها، ويأخذ الإبيس في الطيران غامسا رأسه في السماء ذات الأشعة الصفر الزعفرانية التي تكتسب ظلا ضاربا إلى زرقة رويدا رويدا، ويرجع الإوز إلى وكره صائحا تحت شقرة السماء، ويبدو نجم السماء الأول مع الغبس.
21
ويرتفع النسيم قليلا، ويتموج كلأ الرعاء القصير أكثر من قبل، وتنق الضفادع نقيقا موزونا، ويخور بقر الماء في الظلام أحيانا، ويبرز بدنه الغريب من النهر لحلول وقت القوت، وأخيرا يرخي الليل سدوله وتعم العتمة وتصدر الأوعال عن المناهل ويصل الأسد بلا زئير، ويشرب من ماء النيل ضاربا الهواء بذنبه الطويل.
الفصل الحادي عشر
يعود النهار، والنهار إذا ما عاد جر النهر إلى الصراع الذي بدئ في الليل بين الأرض والماء، ويدخل النيل منطقة المناقع التي تعين مصيره وتقرر مصير البلد بأسره، ويكاد النيل يكون من الدرجة الخامسة إلى الدرجة العاشرة شمالا شريانا أساسيا لغدير أكثر من أن يكون نهرا.
وما كان لأحد أن يعجب لو اضطر النيل إلى إتمام جريه حول الدرجة العاشرة من العرض الشمالي، ولكن النيل لم يكن مجاوزا سوى ثلث مجراه حين مغادرته الغدر،
1
وما فتئ يكون كامل الفتاء، وتلك هي أعظم مغامرة له في مكافحته العناصر، والناس مؤخرا، والناس في قوة مشيب النيل، سيستفيدون منه، وإذا كان السد وليد النبات هنا فإن الناس سيصنعونه من الحجارة.
صفحه نامشخص