فيه، وتفتح التماسيح فكيها، ويظل رأسها الحاد دقائق طويلة مستندا إلى الأرض، وتبدو عيونها نصف مستورة بأجفانها الثقيلة، ويستلقي بعضها بجانب بعض كما لو كانت جلاميد.
وإذا ما ابتعد التمساح عن شاطئ النيل مصادفة وطورد اتجه إلى النيل على خط مستقيم بأسرع من تطارق
12
الإبل وتهيأ للدفاع، والتمساح أشد حذرا من الحشرات الأخرى؛ لأنه أدق سمعا منها، وفي هذا سر طول عمره ما يحتمل، ومن فضل الخالق عليه امتداد أجله ونموه بما يتفق له من الزمن على مهل لا يتصوره خيال، فبينما يبلغ الإنسان ثلاثة أضعاف قامته فقط بعد ولادته يكون طول التمساح عند ميلاده ثلاثين سنتيمترا ثم يبلغ ثلاثة أمتار طولا، ويحقد الزنجي، حتى الكلب، على التمساح أشد الحقد، ولا عجب، فالتمساح عدو جميع الحيوانات وجميع الناس، والتمساح يصطاد ويذبح الجمال والحمير، والبلاشين أيضا، وغيلان ما قبل الطوفان الثلاثة وحدها هي التي لا تخاف التمساح، ولكنها لا تؤذيه لأنها تأكل الأعشاب، والتمساح لما لا يشعر به من النخز والنهش،
13
ومن الجمر، تجده لا يجرح ولا يفنى.
وادي بحر الجبل.
وأبو مركوب طير نفور أيضا، وهو أكثر الطيور غرابة، وهو يسكن تلك المستنقعات ويسكن منابع النيل، وهو رمادي فضي مع انعكاسات خضر وبيض، وهو ينصب رأسه ذا المنقار الزائد على الحد فوق عنقه المعطوف ويقف على رجل واحدة كجميع طيور الغدران، ولهذا الطائر الكئيب الشكس - المعتزل دوما - حركات مفاجئة، ويلوي هذا الطائر رأسه 360 درجة وينشر جناحيه الثقيلين ويفتح ذلك الجيب الواسع كغدة في العنق فيصلح له منقارا، ويألف في كل وقت حياة المناقع المتعوقة التي تنعشها نفحات الريح.
وفي أثناء هذا الصمت تبصر اهتزازا، تبصر تشنجا مستمرا، وتلك هي أصوات مخنوقة توحي برائحة البلد، ويهيمن على طنين الهوام التي هي سيدة تلك البقعة، وعلى حفيف العشب، صحل
14
صفحه نامشخص