المقصد الثالث من مقاصد الطهارة التيمم وحقيقته شرعا إيصال التراب إلى الوجه واليدين على وجه مخصوص بنية وسببه العجز عن استعمال الماء بسبب مرض أو فقد ثم اعلم أن العجز عن استعمال الماء إما حسي كفقد الماء وضابطه تعذر استعماله وإما شرعي وهذا لا يتعذر استعمال الماء لكن وجد للشخص عذر جوز له الشارع بسببه العدول عن الماء إلى التيمم رحمة من الله تعالى فإذا علمت ذلك فمتى كان العجز حسيا تيمم وصلى فإن كانت الصلاة بمحل يغلب فيه وجود الماء وجبت الإعادة وإن كانت بمحل يندر فيه وجود الماء أو يستوي الأمران فلا إعادة فالعبرة بمكان الصلاة لا بمكان التيمم كما أن العبرة بوقت فعل الصلاة لا بجميع السنة ومتى كان العجز شرعيا كالمرض ونحوه تيمم وصلى ولا إعادة مطلقا فشرط عدم الإعادة إخبار الطبيب العدل ولو عدل رواية بأن استعمال الماء يضره بسبب خوف حدوث مرض أو بطء برء أو زيادة ألم أو شين فاحش في عضو ظاهر كنحول واستحشاف أو لحمة تزيد أو ثغرة تبقى والعضو الظاهر الوجه واليدان ويكفي معرفة نفسه إذا كان عالما بالطب فإن لم يستند إلى شيء من ذلك بل اعتمد على التجربة لزمته الإعادة وإذا تيقن الضرر لو استعمل الماء أو غلب على ظنه ذلك حرم عليه استعمال الماء ووجب عليه التيمم وإن توهمه أو شك فيه جاز التيمم ولا يحرم استعمال الماء وقد يجتمع العذر الحسي والشرعي كما إذا حال بينه وبين الماء سبع أو عدو فإن ذلك فيه عجز حسي نظرا للحيلولة بينه وبين الماء وعجز شرعي حيث إن الشارع نهاه عن الإقدام على ما فيه ضرره وهذا لا إعادة فيه مطلقا أيضا على المعتمد نظرا لجانب الشرع
ومن أفراد العجز الشرعي فقط ما إذا لم يجد إلا ماء مسبلا لغير الطهر به لأنه ممنوع من استعماله شرعا فإذا علم أن مسبله عمم الانتفاع به مطلقا استعمله في الطهارة ولا يجوز التيمم فإن شك في ذلك حكم العرف والقرائن ولا يجوز نقل الماء المسبل للشرب من محله إلى محل آخر كأن يأخذه للشرب في بيته مثلا إلا إذا علم أو قامت قرينة على أن مسبله يسمح بذلك ومثل ذلك ما إذا أباح له غيره طعاما ليأكله لا يجوز أن يحمل منه شيئا ولا أن يطعم غيره إلا إذا علم أن مبيح الطعام يسمح بذلك فإن شك حكم العرف والقرينة وإذا وجد الماء يباع بثمن مثله وهو عاجز عنه أو يحتاجه للمؤنة أو وجده لا يباع إلا بأكثر من ثمن مثله أو لم يجد ما يستقي به من دلو أو حبل تيمم لأجل ذلك كله ولا إعادة ولو علم ذو النوبة من مزدحمين على بئر أو نحوه أن النوبة لا تنتهي إليه إلا بعد خروج الوقت ولم يجد ماء آخر صلى بالتيمم في الوقت ولا إعادة عليه ومثل الماء في هذا سترة الصلاة ولو كان معه ماء لكن يحتاج إليه لعطش حيوان محترم ولو لغيره أو يحتاج ثمنه لنفقة ذلك الحيوان أو كان الخبز الموجود لا يمكن أكله إلا إذا بل بالماء والماء الموجود معه لا يكفي لذلك وللطهارة ولم يقدر على غير هذا الماء وجب عليه التيمم صونا للروح أو غيرها عن التلف ويحرم عليه الوضوء به حينئذ ومن ذلك ما إذا كان في قافلة الحاج وكانوا بموضع لا ماء فيه فمن كان معه ماء يحرم عليه الوضوء به بل يتيمم لأن قافلة الحاج لا تخلو عن عطشان وإن لم يعلم به وموضوع هذه المسائل أنه يخاف من استعمال الماء ضررا ولا بد أن يعتمد في خوف ذلك قول الطبيب العدل كما تقدم هذا إن وجد الطبيب حاضرا وإلا فليس من محاسن الشريعة منعه من الشرب حتى يوجد الطبيب
ومن أفراد اجتماع الأمرين ما إذا خاف راكب السفينة الغرق لو توضأ من البحر فيتيمم ويصلي ولا إعادة مطلقا ولو كان معه ماء لا يحتاج إليه للعطش لكن لا يكفيه لطهارته وجب عليه استعماله في الطهارة ثم تمم طهارته بالتيمم
صفحه ۳۶