في الأوامر والنواهي وجعل الأربع الأخيرة من هذه المسائل السبع في الأحكام، كما ذكره المصنف، وأما الثلاث الأولى فجعلها في أقسامه لا في أحكامه، فقال: النظر الأول في الوجوب، والبحث إما في أقسامه أو أحكامه، أما أقسامه فاعلم أنه بحسب المأمور به ينقسم إلى معين ومخير، وبحسب وقته إلى مضيق وموسع، وبحسب المأمور إلى واجب على التعيين وواجب على الكفاية هذا كلامه، وذكر مثله صاحب الحاصل وصاحب التحصيل، والمصنف جعل الكل في أحكام الحكم، وليس بجيد ثم إنه أطلق الحكم، وإنما هي أقسام للوجوب خاصة، المسألة الأولى في انقسام المأمور به إلى معين ومخير، اعلم أن الوجوب قد يتعلق بشيء معين كالصلاة والحج وغير ذلك، ويسمى واجبا معينا، وقد يتعلق بواحد منهم من أمور معينة أي: بأحدها ويسمى واجبا ويسمى واجبا مخيرا، ثم هذا على قسمين فقسم يجوز الجمع بين تلك الأمور وتكون أيضا أفرادها محصورة كخصال الكفارة، فإن الوجوب تعلق بواحد من الإطعام والكسوة والعتق ومع ذلك يجوز إخراج الجميع، وقسم لا يجوز الجمع ولا تكون أفراده محصورة كما إذا مات الإمام الأعظم ووجدنا جماعة قد استعدوا للإمامة أي: اجتمعت فيهم الشرائط فإنه يجب على الناس أن ينصبوا منهم واحدا، ولا يجوز نصب زيادة عليه وذكر المصنف هذين المثالين لأجل هذا المعنى، ولا يتصور التكليف بواحد منهم من أمور مبهمة؛ لأنه تكليف بما لا يعلمه الشخص، وكون الواجب واحدا منها من أمور، أي: أحدها لا يعنيه نقله في المحصول المنتخب عن الفقهاء فقط، ولا ينقل عن الأصوليين تصريحا بموافقتهم ولا مخالفتهم، بل ظاهر كلامه المخالفة لأنه أبطل ما استدلوا به، وكذلك فعل صاحب الحاصل والتحصيل، نعم نقله الآمدي عن الفقهاء والأشاعرة وارتضاه واختاره أيضا ابن الحاجب، ولك أن تقول أحد الأشياء قدر مشترك بين الخصال كلها لصدقه على كل واحد منها، وحينئذ فلا تعدد فيه، وإنما التعدد في محاله فإن المتواطئ موضوع لمعنى واحد صادق على أفراد كالإنسان، وليس موضوعا لمعان متعددة وإذا كان إحدى الخصال هو متعلق الوجوب كما تقدم استحال فيه التخيير، وإنما التخيير في الخصوصيات وهي خصوص الإطعام مثلا أو الكسوة أو الإعتاق فالذي هو متعلق الوجوب لا تخيير فيه، والذي هو متعلق التخيير لا وجوب فيه، وهذا نافع في كثير من المباحث الآتية فافهمه.
"واعلم" أن المصنف حكى في هذه المسألة ثلاثة مذاهب: أحدها ما تقدم، والثاني ما نقله عن المعتزلة أن الأمر بالأشياء على التخيير يقتضي وجوب الكل على التخيير، قالوا: والمراد من قولنا: إن الكل واجب على التخيير، هو أنه لا يجوز للمكلف ترك جميع الأفراد ولا يلزم الجمع بينهما، وهذا بعينه هو قول الفقهاء ولا خلاف في المعنى، وحينئذ فلا حاجة إلى دليل عليهم، فإن قيل: بل الخلاف في المعنى وهو الثواب على الجميع والعقاب عليه قلنا: لا، فإن الآمدي نقل عنهم في الأحكام أنه لا
1 / 36