الإجزاء هو سقوط القضاء وقد سبق نقله في الصحة عنهم، والصواب على هذا القول التعبير بالإسقاط لا بالسقوط، وهي عبارة الحاصل وابن الحاجب، ثم شرع المصنف في إبطاله بوجهين مستغنيا بذلك عن إبطاله في الكلام على حد الصحة، أحدهما وهو الذي أشار إليه بقوله، ورد بأن للقضاء حينئذ له يجب، وتقريره من وجهين: الأول وعليه اقتصر في المحصول والحاصل والتحصيل وغيرها أن القضاء إنما يجب بأمر جديد، فإذا أمر الشارع بعبادة ولم يأمر بقضائها فأتى بها فإنها توصف بالإجزاء مع أن القضاء حينئذ لم يجب لعدم الموجب له وهو الأمر الجديد، وإذا لم يجب لا يقال: سقط لأن السقوط فرع عن الثبوت، التقرير الثاني أن الموجب للقضاء هو خروج الوقت من غير الإتيان بالفعل فإذا أتى بالفعل في الوقت على وجهه، فقد وجد الإجزاء ولم يوجب وجوب القضاء لعدم الموجب له وهو خروج الوقت، وإذا لم يصدق وجوب القضاء لا يقال: سقط؛ لأن سقوط الشيء فرع عن ثبوته. قوله: "وبأنكم تعللون سقوط القضاء به" هذا هو الوجه الثاني من الوجهين اللذين أبطل بهما تفسير الإجزاء بسقوط القضاء، وتقريره أنكم أيها الفقهاء تعللون سقوط القضاء بالإجزاء فتقولون: هذا سقط قضاؤه؛ لأنه أجزأ والعلة غير المعلول فيكون الإجزاء غير السقوط، فكيف تقولون: إنه هو، ولقائل أن يقول: لا يلزم من كونه علة أن لا يصح التعريف به؛ لأن هذا التعريف رسمي، والرسم يكون باللازم للماهية، واللازم غير الملزوم، واعلم أن الإمام في المحصول والمنتخب استدل بهذا الدليل على العكس مما قاله المصنف فقال: ولأنا نعلل وجوب القضاء بعدم الإجزاء والعلة غير المعلول فيكون وجوب القضاء مغايرا لعدم الإجزاء، وتبعه على ذلك في التحصيل، وما قاله المصنف أولى لأن دعوى الفقهاء اتحاد الإجزاء وسقوط القضاء وهو إنما يثبت المغايرة بين القضاء وعدم الإجزاء، فأثبت المغايرة في غير موضع دعوى الاتحاد لكن المقصود أيضا يحصل؛ لأن دعوى اتحاد الإجزاء وعدم القضاء يلزمها اتحاد عدم الإجزاء والقضاء، وقد أبطل اللازم بإثبات المغايرة بين عدم الإجزاء والقضاء، فيبطل الملزم الذي هو المدعى وهو اتحاد الإجزاء وعدم القضاء، وفإن قلت: لم عدل المصنف عن قول الإمام: لأنا نعلل، إلى قوله: لأنكم تعللون؟ قلنا: لمعنى لطيف وهو أنه لو قال: لأنا نعلل سقوط القضاء بإجزاء لكان يرد عليه ما أورده هو عليهم، وهو أن سقوط القضاء يستدعي ثبوته مع أنه غير ثابت فأسنده إلى الفقهاء لالتزامهم إطلاق هذه العبارة، وهذا لا يرد على عبارة الإمام لأنه علل وجوب القضاء بعدم الإجزاء ولا شك في أنه متى انتفى الإجزاء وجب القضاء، وهذا هو السبب في ارتكاب الإمام التكليف في إبطال الدعوى باللازم، وقد وقع صاحب الحاصل في هذا الاعتراض فقال: لأنا نعلل سقوط القضاء بالإجزاء، وكأنه استشعر أنه على غير محل النزاع فأتى به مطابقا، فوقع في اعتراض آخر، والمصنف سلم من الاعتراضين فإنه أبطل الدعوى بالمطابقة لا باللازم، كما
1 / 30