ذلك أن تقسيم الفعل الذي تعلق به الحكم يستلزم تقسيم الحكم إلى نهي وغيره، وحاصل ما قاله المصنف: أن الفعل إن نهى الشارع عنه فهو القبيح كالمحرم والمكروه، وإن لم ينه عنه فهو الحسن ويندرج فيه أفعال المكلفين كالواجب والمندوب والمباح، وأفعال غيرهم كالساهي والصبي والنائم والبهائم، وكذلك أفعال الله تعالى كما قال في المحصول ومختصراته، وليس في هذه الكتب تصريح بأن المكروه من القبيح أو من الحسن، لكن إطلاقهم النهي يقتضي إلحاقه بالقبيح، ويؤيده أنهم لما عدوا الأشياء التي تضمنها الحسن لم يعدوه منها، وفي كلام المصنف نظر من وجهين، أحدهما: أنه قد تقرر أن هذا التقسيم إنما هو في متعلقات الحكم الشرعي، ومتعلقاته هي أفعال الملكفين، كما علم في حد الحكم وحينئذ فيكون قد قسم أفعال المكلفين إلى الحسن والقبيح، ثم قسم الحسن إلى أشياء منها أفعال غير المكلفين، فيلزم أن تكون أفعال المكلفين تنقسم إلى أفعال غير المكلفين وهو معلوم البطلان، الثاني: أن فعل غير المكلف لا يخلو إما أن يكون عنده من قسم المباح أم لا، فإن كان فلا حاجة إلى قوله والمباح وفعل غير المكلف، وإن لم يكن عنده من المباح وهو الذي صرح به غيره فيكون الحد المتقدم للمباح فاسدا، فإنه قد حده بما لا يتعلق بفعله وتركه مدح ولا ذم، وفعل غير المكلف يصدق عليه بذلك، والإشكالان كلاهما واردان هنا على الإمام وأتباعه. "قوله: والمعتزلة قالوا" يعني أن المعتزلة خالفوا فقالوا: القبيح هو الفعل الذي ليس للقادر عليه أن يفعله إذا كان عالما بصفته من المفسدة الداعية إلى تركه كالكذب الضار، أو المصلحة الداعية إلى فعله كالصدق النافع، وأما الحسن فهو الفعل الذي للقادر عليه العالم بصفته أن يفعله، وإلى هذا أشار بقوله: "وما له" أي: وما للقادر عليه العالم بحاله أن يفعله فهو الحسن ولكنه اختصر لدلالة ما تقدم عليه، فدخل في حد القبيح الحرام فقط، وفي حد الحسن الواجب والمندوب والمكروه والمباح وفعل الله تعالى، وقد علم من هذا أنه إذا لم يكن الفعل مقدورا عليه كالعاجز عن الشيء والملجأ إليه فإنه لا يوصف عندهم بحسن ولا قبح، وكذلك ما لم يعلم حاله كفعل الساهي والنائم والبهائم. قوله: "وربما قالوا" أي وربما ذكرت المعتزلة عبارة أخرى في حد القبيح والحسن، فقالوا: القبيح هو الفعل الواقع على صفة توجب الذم، والحسن هو الفعل الواقع على صفة توجب المدح، فدخل في حد القبيح الحرام فقط، وفي حد الحسن الواجب والمندوب دون المكروه والمباح، إذ لا مدح في فعلهما مع أنهما قد دخلا في حدهم الأول للحسن؛ لأن القادر عليهما له أن يفعلهما فتلخص أن الحسن بتفسير المعتزلة ثانيا أخص منه بتفسيرهم أولا، وذلك لأن كل ما كان واقعا على صفة توجب المدح فللقادر عليه العالم بحاله أن يفعله، ولا ينعكس بدليل المكروه والمباح، وأما القبيح فحدهم الأول مساوٍ لحدهم الثاني، وهذا التقرير اعتمده فإن طائفة من الشارحين قد قررته على غير الصواب.
1 / 26