حلالا إلا قول الله تعالى: رفعت الحرج عن فاعله، فحكم الله تعالى هو هذا القول وهو متعلق بفعل العبد، ولا يلزم من كون القول متعلقا بشيء أن يكون صفة لذلك الشيء، فإنا إذا قلنا: شريك البارئ معدوم كان هذا القول الوجودي متعلقا بشريك الإله وهو معدوم فلو كان صفة له لكان شريك الإله متصفا بصفة وجودية وهو محال؛ لأن ثبوت الصفة فرع عن ثبوت الموصوف، وإلى هذا أشار بقوله: والحكم متعلق ... إلخ. وأما قولهم في الدليل الثالث: إن الحكم الشرعي يكون معللا بفعل العبد كقولنا: حلت بالنكاح ويلزم من حدوث العلة حدوث المعلول، فلا نسلم أن النكاح والطلاق والبيع والإجارة وغير ذلك من أفعال العباد علل للأحكام الشرعية بل معرفات لها، إذ المراد من العلة في الشرعيات إنما هو المعرف للحكم، ويجوز أن يكون الحادث معرفا للقديم كما أن العالم المعروف للصانع ﷾؛ لأنا نستدل على وجوده به، وللعالم بفتح اللام وهو الخلق والجمع: العوالم قاله الجوهري، وإلى هذا أشار بقوله: النكاح والطلاق.
قوله: "والموجبية والمانعية أعلام" جواب عن الاعتراض الثاني وهو قولهم: إن هذا الحد غير جامع؛ لأنه قد خرج منه هذه الأحكام التي لا اقتضاء فيها ولا تخيير، فقال: لا نسلم أن الموجبية والمانعية من الأحكام بل من العلامات على الأحكام؛ لأن الله تعالى جعل زوال الشمس علامة على وجوب الظهر ووجود النجاسة علامة على بطلان الصلاة وإن سلمنا أنهما من الأحكام فليسا خارجين من الحد؛ لأنه لا معنى لكون الزوال موجبا إلا طلب فعل الصلاة، ولا معنى لكون النجاسة مانعة إلا طلب الترك، ولا نسلم أيضا أن الصحة والبطلان خارجان عن الحد، فإن المعنى بالصحة إباحة الانتفاع، والمعنى بالبطلان حرمته، فاندرجا في قولنا: بالاقتضاء أو التخيير، وإنما عبر في السؤال بالفساد، وفي الجواب بالبطلان إعلاما بالترادف. واعلم أن في موجبية الدلوك ثلاثة أمور، أحدها: وجوب الظهر ولا إشكال في أنه من الأحكام، والثاني: نفس الدلوك وهو زوال الشمس وليس حكما بلا نزاع بل علامة عليه، والثالث: كون الزوال موجبا الشرع وأنه لا معنى للشرعي إلا ذلك، وإذا كان كذلك فكيف يحسن الجواب بأنه علامة على الحكم؟ إنما العلامة هو نفس الزوال وكذلك القول في المانعية، وأما دعواه أن المعنى بهما اقتضاء الفعل والترك فممنوع أيضا؛ لأن الموجبية غير الوجوب والمانعية غير المنع قطعا كما بيناه، وأما دعواه أن الصحة هي الإباحة فينتقض بالمبيع إذا كان الخيار فيه للبائع فإنه صحيح ولا يباح للمشتري الانتفاع به، وأيضا يقال له: صحة العبادات داخلة في أي الأحكام الخمسة، فالصواب ما سلكه ابن الحاجب وهو زيادة قيد آخر في الحد وهو الوضع فيقال: بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع. قوله: "والترديد في أقسام المحدود لا في الحد" جواب عن الاعتراض الثالث وهو قولهم: إن في الحد صيغة أو وهي للشك، فقال: لا نسلم وقوع الشك في الحد
1 / 20