الله تعالى خرج عنه الملائكة والجن والإنس، وهذا التقييد لا ذكر له في المحصول ولا في المنتخب ولا في التحصيل، نعم ذكره صاحب الحاصل فتبعه عليه المصنف وهو الصواب؛ لأن قول القائل لغيره: أفعل ليس بحكم شرعي مع أن الحد صادق عليه، قيل: إن هذا الحد صحيح من هذا الوجه، لكن يرد عليه أحكام كثيرة ثابتة بقول النبي ﷺ وبفعله وبالإجماع وبالقياس، وقد أخرجها بقوله: خطاب الله تعالى، فالجواب: أن الحكم هو خطاب الله تعالى مطلقا وهذه الأربع المعرفات له لا مثبتات، واختلفوا: هل يصدق اسم الخطاب على الكلام في الأزل؟ على مذهبين حكاهما ابن الحاجب من غير ترجيح. قال الآمدي في مسألة أمر المعدوم الحق: إنه لا يسمى بذلك، ووجهه أن الخطاب والمخاطبة في اللغة لا يكون إلا من مخاطِب ومخاطَب بخلاف الكلام، فإنه قد يقوم بذاته طلب التعلم من ابن سيولد كما ستعرفه، وعلى هذا فلا يسمى خطابا إلا إذا عبر عنه بالأصوات بحيث يقع خطابا لموجود قابل للفهم، وكلام المصنف يوافق القائل بالإطلاق؛ لأنه فسر الحكم بالخطاب والحكم قديم فلو كان الخطاب حادثا للزم تفسير القديم بالحادث وهو محال. وقوله: "المتعلق بأفعال المكلفين" احترز به عن المتعلق بذاته الكريمة كقوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [آل عمران: ١٨] المتعلق بالجماعات كقوله تعالى: ﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾ [الطور: ١٠] فإنه خطاب من الله تعالى ومع ذلك ليس بحكم لعدم الأحكام في الأزل أنها متعلقة مجازا؛ لأنها تئول إلى التعلق وقد قال الغزالي في مقدمة المستصفى: إنه يجوز دخول المجاز والمشترك في الحد إذا كان السياق مرشدا إلى المراد، فإن قيل: تقييده المتعلق بالفعل يخرج المتعلق بالاعتقاد كأصول الدين وبالأقوال كتحريم الغيبة والنميمة، ويخرج أيضا وجوب النية وشبهها مع أن الجميع أحكام شرعية، قلنا: يمكن حمل الفعل على ما يصدر من المكلف وهو أعم، وأجاب بعضهم عن أصول الدين بأن المحدود هو الحكم الشرعي الذي هو فقه لا مطلق الحكم الشرعي، فإن أصول الفقه لا يتكلم فيها إلا الحكم الشرعي الذي هو فقه. وقوله: "بالاقتضاء أو التخيير" الاقتضاء هو الطلب، وهو ينقسم إلى: طلب فعل وطلب ترك، وأما التخيير فهو الإباحة، فدخلت الأحكام الخمسة في هذين اللفظين واحترز بذلك عن الخبر إن كان جازما فهو الإيجاب وإلا فهو الندب، وطلب الترك إن كان جازما فهو التحريم، وإلا فهو الكراهة، كقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦] وقوله تعالى: ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم: ٣] فإن القيود وجدت فيه مع أنه ليس بحكم شرعي لعدم الطلب والتخيير، وهذا التعريف رسم لأحد. قال الأصفهاني في شرح المحصول: لأن أو مذكورة فيه وليست للشك، بل المراد أن ما وقع على أحد هذه الوجوه، فإنه يكون حكما كما سيأتي، والنوع الواحد يستحيل أن يكون له فصلان على البدل بخلاف الخاصتين على البدل كما تقرر
1 / 17