¬نهاية المطلب
في دراية المذهب
لإمام الحرمين
عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني
رحمه الله تعالى
(٤١٩ - ٤٧٨ هـ)
حققه وصنع فهارسه
أ. د/ عبد العظيم محمود الدّيب
دار المنهاج
المقدمة / 1
¬الطبعة الأولى
١٤٢٨ هـ-٢٠٠٧ م
جميع الحقوق محفوظة للناشر
دار المنهاج للنشر والتوزيع
لصاحبها عمر سالم باجْخَيفْ
وفقه الله تعالى
المملكة العربية السعودية - جدة
حي الكندرة- شارع أبها تقاطع شارع ابن زيدون
هاتف رئيسي ٦٣٢٦٦٦٦ - الإدارة ٦٣٠٠٦٥٥
المكتبة ٦٣٢٢٤٧١ - فاكس ٦٣٢٠٣٩٢
ص. ب ٢٢٩٤٣ - جدة ٢١٤١٦
لايسمح بإعادة نشر هذا الكتاب أو أي جزء منه، وبأي شكل من الأشكال، أو نسخه، أو حفظه في أي نظام إلكتروني أو ميكانيكي يمكِّن من استرجاع الكتاب أو أي جزء منه، وكذلك لا يسمح بالاقتباس منه أو ترجمته إلى أي لغة أخرى دون الحصول على إذن خطي مسبقًا من الناشر
_________
ISBN ٩٧٨ - ٩٩٥٣ - ٤٩٨ - ٠٧ - ٢
WWW. Alminhaj.com
E-mail: [email protected]
المقدمة / 2
¬نهاية المطلب
في درَايةَ المذَهَب
المقدمة / 3
¬تنبيهان
أولًا:
هذا الكتاب بينك وبينه ألف عام تقريبًا، فإذا رأيت من ظواهر اللغة والأساليب غير مألوفك ومعهودك، فلا تحاول أن تحمل لغته على لغتك، ولا تسارع بحمل ذلك على الخطأ وسهو المحقق وتقصيره، فهذه هي لغة عصرهم، وهذا أسلوبهم، وهو صحيح سليم، وإن لم يعد مألوفًا لدينا ومستعملًا عندنا ولا جاريًا على ألسنتنا.
ثانيًا:
إبراء للذمة، وخروجًا عن العهدة ننبه:
أن برنامج الصف استحال عليه كتابة الهمزة المتطرفة المكسور ما قبلها على الياء، مثل قارئ، يجزئ، فتنبه لذلك.
¬الفقه صعب مرامه، شديد مراسه، لا يعطي مقاده لكل أحد ولا ينساق لكل طالب، ولا يلين في كل يد، بل لا يلين إلا لمن أيد بنور الله في بصره وبصيرته، ولطف منه في عقيدته وسريرته. الإمام أبو المظفر السمعاني المتوفي سنة ٤٨٩ هـ
¬الفقه صعب مرامه، شديد مراسه، لا يعطي مقاده لكل أحد ولا ينساق لكل طالب، ولا يلين في كل يد، بل لا يلين إلا لمن أيد بنور الله في بصره وبصيرته، ولطف منه في عقيدته وسريرته. الإمام أبو المظفر السمعاني المتوفي سنة ٤٨٩ هـ
صفحه نامشخص
¬بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (١) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)
(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
(البقرة: ١٢٧)
(رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)
(الكهف: ١٠)
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)
(آل عمران: ٨)
المقدمة / 4
¬بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ الذي وفَّقَ منِ اجتباهُ منْ عبادِهِ للتَّفقُّهِ في الدِّينِ، ونوَّهَ بذلكَ في الذِّكرِ الحكيمِ بقولهِ ﷾: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢]
والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ سيدِ الأوَّلينَ والآخِرينَ، القائلِ: "خيارُكُمْ في الجاهليَّةِ خيارُكُمْ في الإسلامِ إذا فَقُهُوا" (١).
أمَّا بعدُ:
فبينَ أيدي العلماءِ من تراثِ الفقهاء ما لَو جمعوا كنوزَهُ، ونقَّدُوا جوهرَهُ .. لزانُوا جِيدَ اَلمجتمعِ اَلإنسانيَّ بعِقْدٍ ثمينٍ.
وهذِهِ السَّماتُ تنطبقُ تمامًا على هذا الكتابِ الموسوعيِّ "نهاية المطلب" للإمامِ اَلعظيمِ إمامِ الحرمينِ الجوينيِّ، الذِّي يعدُّ من أعظمِ كتبِ الشَّافعيَّةِ القديمةِ، ومنْ أثبتِ المراجعِ في نسبةِ المذهبِ للإمامِ الشَّافعي
فهذا الميراثُ الأصيلُ الذِّي يخرجُ إلى فضاءِ الطِّباعةِ الرَّحيبِ لأوَّلِ مرَّةٍ، بعدَ ما يقاربُ الألفَ سنةٍ على تأليفِهِ .. لَيؤكِّدُ معنى الخيريَّةِ المتجدِّدَةِ في هذه الأمَّةِ التي لا تختصُّ بزمنٍ دونَ آخرَ، بلْ لا زالتْ مسيرةُ استخراجِ الكنوزِ قائمةً على قدمٍ وساقٍ في كل عصرٍ ومصرٍ.
_________
(١) "البخاري" (٣٤٩٤)، ومسلم (٢٥٢٦) عن أبي هريرة ﵁.
المقدمة / 5
¬كلمة الناشر
وقدْ قيَّضَ اللهُ لهذا التُّراثِ العظيمِ عَلَمًا منْ أعلامِ العصرِ، وهو متمرِّسٌ في إخراجِ الكنوزِ العلميَّةِ في حللِ التَّحقيقِ ترفلُ، وهو الشَّيخُ العلَاّمةُ الدُّكتورُ عبدُ العظيمِ الدِّيبُ.
وممَّا زادَ الكتابَ رفعةً وإشراقًا هو ما حلَاّهُ بِهِ من تحقيقاتٍ سنيَّةٍ، وتعليقاتٍ علميَّةٍ، فكانت نهايةً في الإتقانِ، وغايةً في الإحسانِ.
وكيفَ لا يكونُ الحالُ كذلِكَ وقدِ استغرقَ المحقَّقُ في هذا العملِ المباركِ زُهاءَ خمسةٍ وعشرينَ عامًا؟!
فكان بهذا قد أنفقَ أنفسَ أوقاتِهِ خدمةً لتراثِ إمامِ الحرمينِ؛ ليزفَّهُ إلى الهداةِ المتفقِّهَةِ مجلوًّا لا لبْسَ فيه ولا إبهامَ.
وإنّا لنأمُلُ أنَ يكون هذا العملُ نموذجًا للتحقيقاتِ العلميَّةِ الأصيلةِ لذلك التُّراثِ النائمِ في الأدراجِ والمكتباتِ، وهذا ديدنُ دارِنا منذُ تأسيسِها وللهِ الحمدُ والمنَّةُ.
كما نتوجَّهُ إلى اللهِ ﷾ بالدعاءِ الضّارِعِ أن ينفعَ بهذا العملِ الإسلامَ والمسلمينَ في مشارقِ الأرضِ ومغارِبِها، وأن يحيَ بِهِ العلمَ وأهلَهُ؛ إنَّهُ سميع مجيبٌ.
ودارُ المنهاجِ إذْ تخرجُ " نهايةَ المطلبِ " في (٢١ مجلدًا) وهو الكتابُ المحاوي العظيمُ .. لا تقفُ عندَ هذا الحدِّ، بل سيتلوهُ بإذنِ اللهِ تعالى وتوفيقِهِ الكثيرُ الطَّيّبُ، وَفْقَ المنهجِ الَّذي يسيرُ في اتِّجاهينِ:
أوَّلهُما: طباعةُ القديمِ الَّذي لم يُسبَقْ طبعُهُ ونشرُهُ؛ ككتابِ " الخلاصةِ " لحجَّةِ الإسلامِ أبي حامدٍ الغزاليِّ ﵀" (١).
_________
(١) وقد صدر كتاب "الخلاصة" حديثًا في مجلد ضخم عن دارنا.
المقدمة / 6
¬وثانيهِما: المطبوعُ المنشورُ الَّذي اعتراهُ الخللُ وغيَّرتْهُ العِللُ، رغمَ أهمِّيَّتِهِ ونفاستِهِ؛ ككتابِ " كفايةِ الأخيارِ " (١).
ونحنُ نَهيبُ في هذه العُجالةِ بأولى الأقلامِ اللَاّمعةِ والأفكارِ المتخصِّصَةِ أن تُمِدَّنا بِرُؤاها حولَ منشوراتِنا ما دامَ ذلكَ يخدُمُ الأمَّةَ الإسلاميَّةَ، ويرتقي بالكتابِ إلى قمَّةِ الإتقانِ، ونحنُ على استعدادٍ لتقبُّلِ ما فيهِ الصَّلاحُ والنَّجاحُ.
واللهَ تعالى أسألُ أنْ يسلُكَ بنا مسلكَ الصَّالحينَ، ويدفعَ عنَّا كيدَ الحاسدينَ، ويوفِّقَنا لِما فيهِ رضاهُ. آمينَ
وأخيرًا نشكرُ كلَّ من ساهمَ وأعانَ في إخراجِ هذا الكتابِ المباركِ، في كلِّ مرحلةٍ من مراحلِ العملِ، ونقولُ لهمْ جميعًا: (جزاكمُ اللهُ عنَّا وعنِ الأمَّةِ الإسلاميَّةِ خيرَ الجزاءِ، وأجزلَ لكُمُ المثوبةَ والعطاءَ، ومنحنا جميعًا التَّوفيقَ والسَّدادَ).
اللَّهُمَّ؛ ارزقْنا الإخلاصَ في القولِ والعملِ، وحُسْنَ الختامِ عندَ انتهاءِ الأجلِ. والحمدُ للهِ الَّذي بنعمتِهِ تتمُّ الصَّالحاتُ، وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ.
الناشِر
أبو سعيد/عمر سالم سعيد باجخيف
حُرِّر في جدَّة (١٩) ربيع الآخر (١٤٢٨ هـ)
_________
(١) انظر مقدمتنا لـ "كفاية الأخيار" لتعرف مدى التصحيف الذي خامر هذا الكتاب.
المقدمة / 7
¬شكر وامتنان
أتوجه شاكرًا لكادرنا العلمي والمهني
الذي كان يعمل خلف للأضواء باجتهاد ودأب
حثيثَين نحوًا من أربع سنوات متتالية دون فتور أو مَلَلٍ في خدمة هذه الموسوعة الفقهية "نهاية المطلب" وإلى الله تعالى أتوجه أن ينفع بهذا الكتاب المسلمين أينما كانوا وأن يثيب كل من ساعد في إخراجه خير ما يجزى الصالحين.
وكتَبَهُ
محمد غسّان نصوح عزقول
المشرفُ على أعمالِ البُحوثِ والنشرِ
بمركز دار المنهاج للدراسات والتحقيق العلمي
المقدمة / 8
¬قالوا عن الإمام
الفِقهُ فِقهُ الشَّافِعيِّ، وَالأَدبُ أَدَبُ الأَصْمَعيِّ، وَحسن بَصرِه
بالوَعْظِ للِحَسَنِ البصرِيِّ، وكيفما كان فهو إمام كل إمام
ولولاه لأصبح مذهب الحديث حديثًا.
الباخرزي في دمية القصر
التبييْن لابن عَسَاكر
وظني أن آثار جده واجتهاده في دين الله يدوم إلى يوم الساعة، وإن انقطع نسله من جهة الذكور ظاهرًا، فنشر علمه يقوم مقام كل نَسَبٍ، ويغنيه عن كُلِّ نَسَبٍ مُكتَسَبٍ.
التبييْن للحافظ ابن عساكر
عن عبد الغافر الفارسي المتوفي سنة ٥٢٩ هـ
ولا يشك ذو خبرةٍ أن إمام الحرمين كان أعلم أهل الأرض بالكلام والأصول والفقه، وأكثرهم تحقيقًا، بل الكُلُّ مِنْ بحرِهِ يغترفون، وأن الوجود ما أخرج بعدَهُ لَهُ نظيرًا.
تاج الدين السبكي
المتوفي سنة ٧٧١ هـ
_________
* مذهب الحديث: مذهب الشافعية.
المقدمة / 9
¬قالوا عن "نهاية المطلب"
استفاض بين الأصحاب وأئمة المذهب قولهم: "منذ صنَّف الإمام (نهاية المطلب) لم يشتغل الناس إلا بكلام الإمام"
ابن حجر الهيثمي المتوفي سنة ٩٧٣ هـ
المذهب الكبير
المسمى بنهاية المطلب في دراية المذهب
ما صنف في الإسلام قبله مثله
التبييْن للحافظ ابن عساكر
نقلًا عن عبد الغافر الفارسي المتوفي سنة ٥٢٩ هـ
النهاية في الفقه
لم يصنف في المذهب مثلها فيما أجزم به
تاج الدين السبكي
المتوفي سنة ٧٧١ هـ
المقدمة / 10
¬إهداء
أهدى هذا العمل الذي هو نتيجة عمري، وثمرة دهري.
إلى رجال لم أرهم بعيني، ولكن ألمحهم بخاطري.
رجال يملأ قلوبهم الإيمان، ويعمر صدورهم القرآن، ويرفع رؤوسهم للإسلام.
رجال في قلوبهم نور، وفي وجوههم نور، وفي صدورهم عزم وتصميم، رجال بأيديهم معاول ومناجل، معاول ترك صروح الظلم والطغيان، ومناجل تجتث جذور الشر والفساد.
رجال سيرفعون رأس هذه الأمة، ويطهرون ديارهم من جحافل التتار الجدد وحفدة أوربان الثاني، وفردريك، وريتشارد، ولويس التاسع.
رجال سيردون لهذه الأمة مجدها وعزها، ويعيدونها إلى كتاب ربها وسنة نبيها حتى تأخذ مقعدها في قيادة البشرية وإنقاذ الإنسانية.
إلى هؤلاء الرجال هديتي
عبد العظيم
المقدمة / 11
¬يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلًا عن موقف الذُّلِّ أحْجَما
ولم أقض حق العلم إن كان كلما ... بدا طمع صيَّرته لي سلما
إذا قيل: هذا منهل. قلت: قد أرى ... ولكن نفس الحرِّ تحتمل الظما
القاضي الجرجاني، صاحب الوساطة
والمتوفي سنة ٣٩٢ هـ
عاب التفقه قوم لا عقول لهم ... وما عليه إذا عابوه من ضرر
ما ضر شمس الضحى والشمس طالعة ... ألا يرى ضوءها من ليس ذا بصر
الإمام أبو الحسن التميمي، منصور بن إسماعيل
المتوفي سنة ٣٠٦ هـ
المقدمة / 12
¬دعوة واقتداء
وإني -على نهجي الذي انتهجت منذ أول كتاب نشرت- أدعو النقاد إلى إظهاري على أوهامي فيها، وتبيين ما دق عن فهمي من معانيها، أو ندَّ عن نظري من مبانيها؛ وفاءً بحق العلم عليهم، وأداءً لحق النصيحة فيه، لأبلغ بالكتاب فيما يستأنف من الزمان، أمثل ما أستطيع من الصحة والإتقان.
والنشر فنٌ خفيّ المسالك، عظيم المزالق، جمّ المصاعب، كثير المضايق، وشواغل الفكر فيه متواترة، ومتاعب البال وافرة، ومُبهظات العقل غامرة، وجهود الفرد في مضماره قاصرة؛ يؤودها حفظ الصواب في سائر نصوص الكتاب؛ ويُعجزها ضبط شوارد الأخطاء، ورجعها جميعًا إلى أصلها؛ فيأتي الناقد وهو موفور الجمام فيقصد قصدها، ويسهل عليه قنصها.
ومن أجل ذلك قلت -وما أزال أقول-: إنه يجب على كل قارئ للكتب القديمة أن يعاون ناشريها بذكر ما يراه فيها من أخطاء؛ لتخلص من شوائب التحريف والتصحيف الذي منيت به، وتخرج للناس صحيحةً كاملةً.
والله ولي التوفيق
من كلمات العلامة المحقق
السيد أحمد صقر
﵀
المقدمة / 13
¬شكر واجب
" من لم يشكر الناس لم يشكر الله ". (رواه الترمذي وحسَّنه)
أجده حقًّا واجبًا ودَيْنًا في عنقي أن أقدم الشكر لشيوخٍ كبارٍ، وأساتذةٍ أجلاء إخوة كرام، وأبناء بررة وتلامذة مخلصين.
أشكر شيخي العلامة أبا فهر محمد محمود شاكر؛ فقد كان كلما تذاكرنا في مجلسه أمر (نهاية المطلب) يُعلي من شأن الكتاب، ومكانته، وأهمية الاشتغال به، وأن نصوص التراث ليست سواء، ويُعْظم إخرات هذا الكتاب، مما كان يشد من أزري، ويقوِّي من عزمي، وما أكثر ما أفدتُ من علمه وتوجيهه، ﵀ وأجزل مثوبته.
وأشكر أخي وصديقي العلامة محمود محمد الطناحي، فقد كان حفيًا بهذا الكتاب، ونوه به في كتابه الفذ (مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي) وحمَّلني أمانة نشره كما شاركني في معاناة بعض نصوصه وغوامضه. ﵀ ونور ضريحه.
وأشكر علامة القراءات والنحو الشيخ عنتر حشاد، ﵀، والأستاذ محمد محمد مقلد خبير اللغة العربية، والأخ الدكتور علي أحمد الكبيسي الأستاذ بجامعة قطر، والأخ الدكتور خالد فهمي الأستاذ بجامعة المنوفية، فقد بذلوا جميعًا من وقتهم وجهدهم الكثير في البحث والمناقشة حول بعض ما كنا نلقاه من غرائب اللغة والأساليب.
كما أشكر كلَّ من أعاننا ويسر لنا السبيل للحصول على صور المخطوطات:
أشكر الأخ الصديق الصدوق علامة عصرنا فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي الذي ذلل لنا الكثير من العقبات.
وأشكر الأخ العربي التركي الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو على ما قدم لنا من عونٍ في هذا المجال، فلولا الأخ التركي المتعرب مصطفى شاهدي خبير المكتبات، الذي كلفه بمرافقتنا -أثناء رحلتنا إلى استانبول- ما استطعنا أن نصل إلى شيء مما وصلنا إليه؛ فبخبرته ومهارته فَلَيْنا مكتبات استانبول فليًا، فجزاه الله عنا خير الجزاء، وأعان الله الدكتور أكمل على ما تطوّقه أخيرًا من حمل أمانة منظمة المؤتمر الإسلامي.
المقدمة / 14
¬كما أشكر الأستاذ الدكتور كمال عرفات المدير العام الأسبق لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بلندن.
والشكر أيضًا لأبنائي البررة وتلامذتي النجباء: الدكتور إبراهيم عبد الله الأنصاري المدرس بكلية الشريعة بجامعة قطر، والدكتور -قريبًا- محمد المصلح المدرس المساعد بكلية الشريعة بجامعة قطر، والمهندس عبد الله النعمة مدير جمعية قطر الخيرية؟ فقد كنت أفكر في إقامة حفلٍ بمناسبة الانتهاء من العمل في تحقيق الكتاب، اقتداءً بسنة السلف الصالح، وإحياء
لنهجهم، فقد ذكروا أن إمام الحرمين لما انتهى من تأليف (نهاية المطلب) عقد مجلسًا للاستبشار والتهنئة احتفالًا بإتمامه، وبذلك مضت سنة الأئمة وعلماء الأمة، فقد قيل في وصف احتفال ابن حجر العسقلاني بالانتهاء من كتابه (فتح الباري)، قالوا في وصف الحفل وكثرة الحضور: "ومنهم من حضر ولم يسمع".
نعم، كنت أفكر في شيء من ذلك، من باب التأسي والاقتداء، وإحياء سنن الأولين، ومن باب " فتشبّهوا ". وما إن علم أبنائي الكرام هؤلاء، حتى سبقوني وأعدوا العدة، ونظموا، ورتبوا لحفل ضخم ما كان يدور بخلدي أن أصنع مثله، كما تولى الدكتور إبراهيم الأنصاري تقديم المتحدثين بالحفل، وألقى الدكتور محمد المصلح كلمة الأبناء والطلاب خلع علينا فيها من فواضل أدبه ما لا نستحق، مما يجعلني أشعر فعلًا بعجز الكلمات عن الوفاء بحقهم.
كما يجب علي أن أشكر كلَّ العلماء والزملاء، والإخوة والأبناء الذين أجابوا الدعوة وشرّفوا الحفل، وإن كان جمعهم الكريم يستعصي على الحصر والذكر، فلا يفوتني أن أسمي هؤلاء الأعلام الكبار الذين كانوا زينة حفلنا، وهم علامة العصر الأخ الكريم الشيخ يوسف القرضاوي والعلامة الحبيب بلخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، والأستاذ الدكتور الشيخ خالد المذكور رئيس لجنة استكمال تطبيق الشريعة بالكويت، هؤلاء الكرام كانوا المتحدثين في الحفل، فطوّقوا جيدنا بدُررٍ ولآلئ من طيب نفوسهم وعالي أدبهم، فأنى أطيق شكرهم، وأوفي حقهم؛ أسأل الله سبحانه أن يجزيهم عني خير الجزاء.
وأخص بالشكر أيضًا العلامة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي سلطنة عُمان، والشيخ عبد الرحمن شيبان وزير الأوقاف الأسبق بالجزائر، ورئيس جمعية العلماء بها الآن، وعلامة الشام فضيلة الشيخ الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور، والأستاذ الدكتور إبراهيم صالح النعيمي مدير جامعة قطر الأسبق.
المقدمة / 15
¬أما فضيلة الشيخ عبد السلام البسيوني الداعية الأديب الناثر الشاعر، اللغوي، الإعلامي، فقد أتحفنا بقصيدة عصماء من روائع شعره، بثنا فيها خالص حبه، وصادق تقديره، وأفاض علينا من حسن أدبه وجمال خلقه، فأدعو الله سبحانه أن يجزيه عني خير الجزاء، وأن يثيبه على ما يبذله من نفسه وجهده في سبيل الدعوة ليل نهار أسال الله أن يتقبل منا ومنه، وأن يجعل جهده الخارق، وعمله الدائب في ميزانه، يوم العرض على الخبير البصير، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه.
كما أشكر كلَّ من احتفى بهذا الكتاب وعرف قدره، وكان حريصًاَ على نشره، أشكر الأخ الأستاذ الدكتور عبد الغفار الشريف الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الكويت الذي كان يودّ أن يكون هذا الكتاب من منشورات إدارة التراث بوزارة الأوقاف الكويتية.
أشكر الأستاذ الدكتور إبراهيم صالح النعيمي مدير جامعة قطر، ذلك الرجل الذي عرف قدر هذا الكتاب -مع بعده في تخصصه- وكان حريصًا كل الحرص أن يكون هذا الكتاب من مطبوعات جامعة قطر، وفعلًا ذلّل كل الصعاب، وتخطى كلَّ القيود، ودارت المطبعة حتى انتهت من صف الجزء الأول والثاني، ولكن قدر الله وما شاء فعل.
أشكر الأخ الأستاذ الدكتور أحمد نور سيف مدير دار البحوث في دبي، فقد كان أيضا حفيًا بالكتاب حريصًا على أن يخرج من دار البحوث للدراسات الإسلامية ونشر التراث كما أشكر معالي الشيخ أحمد زكي يماني صاحب مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بلندن، على ما كان من حفاوته واهتمامه.
أما الشيخ الجليل الشيخ بكر أبو زيد رئيس المجمع الفقهي، فقد كان يتمنى أن يكون هذا الكتاب من مطبوعات المجمع، وقد قال لي بالحرف الواحد -وهو يشد على يدي-: " أريد أن أُعلن في الجلسة الختامية أن المجمع سيطبع كتاب (نهاية المطلب) "، قال لي هذا مرتين في يومين متتاليين عندما كان المجمع يعقد دورتَه الرابعة عشرة في الدوحة.
أشكر كل هؤلاء الكرام وأسال الله أن يجزيهم عني خير الجزاء، أما الذين لم تسعفنا الذاكرة أسماءهم الآن -وهم كثر- فأسألهم الصفح والعفو، وهم لذلك أهل، واللهَ الكريمَ أسأل أن يتولانا جميعًا بعفوه ولطفه ورحمته، وهو نعم المولى ونعم النصير.
عبد العظيم
المقدمة / 16
¬خطبة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الله وحده ولا شيء معه دائمًا وأبدًا، ونحمده ﷾، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وعليك توكلنا، وإليك أنبنا، وإليك المصير، اللهم إنا نعوذ بك من الخطأ والخطل، والخلل والزلل، وسيئ القول والعمل، ونصلي ونسلّم على صفوتك من خلقك وخاتم رسلك سيدنا محمد النبي الأمي، اللهم صلِّ عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته، واهتدى بهديه، وعمل بسنته إلى يوم الدين.
وبعد
فهذا مقام الشكر، مقام الحمد، مقام الثناء على الله بما أنعم فأوفى، فالحمد لله.
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)﴾ [الفاتحة: ٢ - ٤].
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنعام: ١].
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [الأعراف: ٤٣].
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ﴾ [الإسراء: ١١١].
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا﴾ [الكهف: ١].
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ [النمل: ٥٩].
﴿الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص: ٧٠].
المقدمة / 17
¬ ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨].
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾ [سبأ: ١].
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾ [فاطر: ١].
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [فاطر: ٣٤].
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ [الزمر: ٧٤].
﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الجاثية: ٣٦].
﴿وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [التغابن: ١].
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، يا ربّ لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.
...
من مأثور الدعاء وموجزه: " ربِّ أنعمت، فزِدْ ". ولكني أقول: ربِّ أنعمت، فأعني على شكرك وذكرك، وحسن عبادتك، ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ [النمل: ١٩].
لم يبق لي إلا أن أحمد وأشكر، فقد كان إتمام هذا الكتاب غايةَ مناي ومنتهى أملي، وكم تضرعت إليه سبحانه مناجيًا في ظلمة الليل البهيم: " اللهم أني أسالك أن تَنْسَأ في الأجل حتى أُتم هذا العمل " فالحمد لله أجاب سُؤْلي، وحقق أملي، وأمدني بحوله وقوته، فقد كنت دائما أبرأ إليه سبحانه من حولي وقوتي، وألوذ بحوله وقوته، فوهبني، ولم يمنعني، وأعطاني ولم يحرمني، وشد من أزري، وسدد خطاي، حتى وصلت بهذا العمل إلى نهايته، وسرت به إلى غايته، فلم يبق لي من سؤال إلا أن أسأله سبحانه أن يعينني على أداء حق الحمد والشكر، فلو عشت ما بقي من أيامي ساجدًا مسبحًا حامدًا، ما وفّيت نِعَمَه سبحانه.
وما بقي إلا أن أسأله سبحانه أن ينعم علينا بحسن الخاتمة، وأن يجعل خيرَ أعمالنا خواتيمها، وأن يجعل خير أيامنا يوم لقائه.
المقدمة / 18
¬صحبتي لإمام الحرمين:
هذا الكتاب ثمرة صحبة طويلة لإمام الحرمين، أَرْبت هذه الصحبة على الأربعين عامًا، وهذه الصحبة لم تكن عن اختيار مني أو تدبير، بل العكس هو الصحيح، فقد كنت أُقدِّر لدراساتي وحياتي العلمية طريقًا غير هذا الطريق، ومَيْدانًا غيرَ هذا الميدان، وفعلًا قدرتُ ودبرتُ، واخترتُ موضوعَ رسالتي للماجستير.
وبينا أنا في منزل أستاذي الدكتور مصطفى زيد أعرض عليه خُطة الموضوع، وكان به مُرحِّبًا، إذ دق جرس الهاتف وأخذ أستاذي الدكتور مصطفى في محادثةٍ طويلة، عرفتُ منها أن الذي على الطرف الآخر هو أستاذُ أستاذي الشيخ محمد أبو زهرة، ولما طالت المحادثة، ووجد أستاذي أنه قد شُغل عن ضيفه كثيرًا، أراد أن يجاملني، فقال للشيخ أبو زهرة: عندي فلان، وهو يقرئك السلام، ثم أردف: هنِّئه، غدًا سنعرض موضوعَ رسالته على القِسْم، فسأل الشيخُ أبو زهرة عن الموضوع، وما إن أجابه الدكتور مصطفى حتى احتدَّ الشيخ أبو زهرة، وفهمت أنه يرفض الموضوع (١)، والدكتور مصطفى يدافع، ويقول: اطمئن يا أستاذنا، عبد العظيم من أولادنا، لا تخف، أنا أضمنه، إنه من المتحنثين [وكنت أسمع هذه الجملة أول مرة تجري في حديثٍ بين شخصين وعهدي بها أنها من ألفاظ الكتب والمعاجم].
ثم انتهت المكالمة. وراح الدكتور مصطفى في صمت، ولم يُقبل على ما كنا فيه من مراجعة خُطة الموضوع، ولما رأى في عيني التساؤلَ، قال: انتهى الأمر، نبحث عن موضوع آخر، وأُسقط في يدي، وظهر علي الضيق والألم، بل والغضب المتمرد، فقال الدكتور مصطفى مجيبًا عن كل التساؤلات التي تمور بداخلي: أنا لا أستطيع أن أخالف أمر الشيخ أبو زهرة. ثم أجاب عن عدة أسئلة لم أتفوَّه بها: هو
_________
(١) كان الموضوع عن الربا وصوره في بعض المعاملات المعاصرة، وكان المدُّ الاشتراكي في عنفوانه، فخشي الشيخ أبو زهرة من الوقوع تحت ضغط الواقع وتبريره، وكان ذلك شائعًا، وكلٌّ يحاول إلباس التأميم والمصادرة عمامة الإسلام، فمن هنا جاء رفض الشيخ ﵀ وبرّد مضجعه.
المقدمة / 19