الوجوب ، فيلزم وجوب الطرف الراجح حتى يوجد ، وهو المطلوب.
ولأن الممكن لا ينفك عن الاتصاف بما يقتضيه الراجح ، أو نقيضه. ولا يمكن هنا اتصافه بنقيضه ، لخلوه عن السبب ، وهو في حال التساوي يمتنع اتصافه به ، ففي حال المرجوحية أولى بامتناع الاتصاف به ، وإذا امتنع اتصافه به ، وجب اتصافه بالراجح ، وإلا لزم خلوه عن النقيضين ، وهو محال ، فقد ظهر أن كل ممكن ، فإنه لا يوجد أو يعدم إلا إذا سبقت الضرورة المستندة إلى المؤثر عليه.
وأما الضرورة اللاحقة ، فإن كل ما فرض موجودا ، فإنه يستحيل عليه العدم في تلك الحالة التي فرض فيها موجودا ، وإلا اجتمع النقيضان. وهذا الوجوب لحق بعد فرض الشيء موجودا ، وإذا فرض معدوما ، امتنع وجوده في تلك الحال ، لامتناع اجتماع النقيضين. وهذا الامتناع هو ضرورة العدم ، لحقت بعد فرضه معدوما. ولما كان الممكن لا ينفك عن الوجود أو عن العدم ، فهو لا ينفك في كل واحدة من حالتيه عن الوجوبين ، لوجوده أو عدمه ، وهو لا يقتضي شيئا منهما ، كما لا يقتضي أحد الطرفين لذاته ، فهذان الوجوبان خارجان عن ماهية الممكن لا داخلان في ماهيته.
لا يقال : الممكن متردد بين الوجود والعدم ، لا بين الوجوب والامتناع ، فكيف جعل الوجوب سابقا على الوجود.
لأنا نقول : للممكن وجوبان لاحق وسابق لو لاه (1) استحال وجوده ، لكن لما كان الوجود والعدم غايتي هذا الوجوب والامتناع ، صح أن يقال : الحقيقة مترددة بين العدم والوجود ، لا بين الوجوب والامتناع. على أنه في الحقيقة الترديد بين
صفحه ۱۵۲