نهاية الإقدام في علم الكلام
نهاية الإقدام في علم الكلام
ژانرها
وقالت الطوائف المخالفات نحن نعارض الأمرين اللذين عرضا على العقل الصريح بأمرين آخرين نعرضهما عليه فنقول العاقل إذا سنحت له حاجة وأمكن قضاؤها بالصدق كما أمكن قضاؤها بالكذب بحيث تساويا في حصول الغرض منهما كل التساوي كان اختياره الصدق أولى من اختياره الكذب فلولا أن الكذب عنده على صفة يجب الاحتراز عنه وإلا لما رجح الصدق عليه.
قالوا وهذا الفرض في حق من لم تبلغه الدعوة أو في حق من أنكر الشرائع حتى لا يلزم كون الترجيح بالتكليف وعن هذا صادفنا العقلاء يستحسنون إنقاذ الغرقى وتخليص الهلكى ويستقبحون الظلم والعدوان.
وأوضح من هذا كله أنا نفرض الكلام في عاقلين قبل ورود الشرع يتنازعان في مسئلة تنازع النفي والإثبات فلا شك أنهما يقسمان الصدق والكذب ثم ينكر أحدهما على صاحبه قوله إنكار استقباح ويقرر كلامه تقرير استحسان حتى يفضي الأمر بينهما من الإنكار قولا إلى المخاصمة فعلا وينسب كل واحد منهما صاحبه إلى الجهل ويوجب عليه الاحتراز عنه ويدعوه إلى مقالته ويوجب عليه التسليم فلو كان الحسن والقبيح مرفوضا من كل جهة لارتفع التنازع وامتنع الإقرار والإنكار.
وقولكم مثل هذا في العادة جائز جاز ولكنه في حكم التكليف ممتنع.
قلنا ليس ذلك مجرد العادة بل هو العقل الصريح القاضي على كل مختلفين في مسئلة بالنفي والإثبات وما حسن في العقل حسن في الحكمة الإلهية وما حسن في الحكمة وجب وجوب الحكمة لا وجوب التكليف فلا يجب على الله تعالى شيء تكليفا ولكن يجب له من حيث الحكمة تقريرا أو تدبيرا.
قالوا لو رفعنا الحسن والقبح من الأفعال الإنسانية ورددناهما إلى الأقوال الشرعية بطلت المعاني العقلية التي نستنبطها من الأصول الشرعية حتى لا يمكن أن يقاس فعل على فعل وقول على قول ولا يمكن أن يقال لم ولأنه إذ لا تعليل للذوات ولا صفات للأفعال التي هي عليها حتى يربط بها حكم مختلف فيه ويقاس عليها أمر متنازع فيه وذلك رفع للشرائع بالكلية من حيث إثباتها ورد الأحكام الدينية من حيث قبولها.
وزادت الفلاسفة على المعتزلة حجة وتقريرا قالوا قد اشتمل الوجود على خير مطلق وشر مطلق وخير وشر ممتزجين فالخير المطلق مطلوب العقل لذاته والشر المطلق مرفوض العقل لذاته والممتزج فمن وجه ومن وجه ولا يشك العاقل في أن العلم بجنسه ونوعه خير محمود ومطلوب والجهل لجنسه ونوعه شر مذموم غير مطلوب وكل ما هو مطلوب العقل فهو مستحسن عند العقلاء وكل ما هو مهروب العقل فهو مستقبح عند الجمهور والفطرة السليمة داعية إلى تحصيل المستحسن ورفض المستقبح سوى حمله عليه شارع أو لم يحمله ثم الأخلاق الحميدة والخصال الرشيدة من العفة والجود والشجاعة والنجدة مستحسنات فعلية وأضدادها مستقبحات علمية وكمال حال الإنسان أن تستكمل النفس قوتي العلم الحق والعمل الخير تشبيها بالإله تعالى والروحانيات العلوية بحسب الطاقة والشرائع إنما ترد بتمهيد ما تقرر في العقول لا بتغييرها لكن العقول الجزئية لما كانت قاصرة عن اكتساب المعقولات بأسرها عاجزة عن الاهتداء إلى المصالح الكلية الشاملة لنوع الإنسان وجب من حيث الحكمة أن يكون بين الإنسان شرع يفرضه شارع يحملهم على الإيمان بالغيب جملة ويهديهم إلى مصالح معاشهم ومعادهم تفصيلا فيكون قد جمع لهم بين خصلتي العلم والعمل على مقتضى العقل وحملهم على التوجه إلى الخير المحض والإعراض عن الشر المحض استبقاء لنوعهم واستدامة لنظام العالم ثم ذلك الشارع يجب أن يكون من بينهم مميزا بآيات تدل على أنها من عند ربه راجحا عليهم بعقله الرزين ورأيه المتين ولفظه المبين وحدسه النافذ ولصره الناقد وخلقه الحسن وسمته الأرصن يلين لهم في القول ويشاورهم في الأمر ويكلمهم على مقادير عقولهم ويكلفهم بحسب طاقتهم ووسعهم كما ورد في الكتاب " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " .
قالوا وقد أخطأت المعتزلة حيث ردوا القبح والحسن إلى الصفات الذاتية للأفعال وكان من حقهم تقرير ذلك في العلم والجهل إذ الأفعال تختلف بالأشخاص والأزمان وسائر الإضافات وليست هي على صفات نفسية لازمة لها لا تفارقها البتة.
صفحه ۱۳۰