نهاية الإقدام في علم الكلام
نهاية الإقدام في علم الكلام
ژانرها
قالت الأشعرية الجواب عن الاعتراض الأول أن طلب المصحح لم يختص بنا فإنكم جعلتم اللون والمتلون مصححا وذلك أن الرؤية لما تعلقت ببعض الموجودات وذلك نوعان نوع من الأعراض ونوع من الجواهر فصح كون الجوهر والعرض مرئيا فقلنا ما المصحح لهذه الصحة أهو كون الجوهر جوهرا فلزم أن لا يكون العرض مرئيا أو كون العرض عرضا فلزم أن لا يكون الجوهر مرئيا فلا بد إذا من قضية واحدة جامعة بينهما شاملة لهما حتى تتكون الصحة معللة لها إذ الصحة حكم هو قضية واحدة فلا يكون مصححها علتان مختلفتان فإن اختلاف العلتين يوجب اختلاف الحكمين في العقليات ولما تعلقت الرؤية بمختلفات وجب علينا طلب العلة التي لأجلها صح تعلقها بها ولا بد أن يكون السبب المصحح قضية تجمعهما لا كاللون والمتلون فإنهما قضيتان مختلفتان اختلاف الجنس والجنس والنوع والنوع ومن المحال ربط حكم واحد بعلتين مختلفتين فإن العلة العقلية لا بد أن تستقل بإفادة الحكم فإن استقل أحد المختلفين استغنى الحكم عن الثاني فطلبنا العلة لأن الرؤية تعلقت بمختلفين وجعلنا العلة قضية واحدة تشملها لاتحاد الحكم وهو الصحة فصح الطلب وحصل المطلوب.
وأما الجواب عن الاعتراض الثاني وهو إلزام الحال على مذهب أبي الحسن وإبطال الاشتراك والافتراق على نفي الحال.
قال القاضي أبو بكر الذي ذكرته دليلي وأنا قائل بالحال فسقط الاعتراض.
وقال أبو الحسن القضايا العقلية والوجوه الاعتبارية لا ينكرها منكر ولسنا ممن لا يجمع بين مختلفين ولا يفرق بين مجتمعين ولا يقول بوجه ووجه وحيث وحيث واعتبار واعتبار فإن الحركة إذا قامت بمحل وصف المحل بكونه متحركا فهي من حيث أنها حركة وباعتبار أنها حركة أوجبت كون المحل متحركا وهي باعتبار أنها كون لها حكم آخر وباعتبار أنها عرض لها حكم آخر ولو رفعنا هذه الاعتبارات انحسم باب النظر وانحصر نظر العقل على موجودات معينة وبطلت الاعتبارات بأسرها ولما قطعنا بأن الرؤية تعلقت بجنسي العرض والجوهر عرفنا أن الصحة على قضية واحدة وإنما نعني بالصحة صلاحية كل جنس لتعلق الرؤية فتلك الصلاحية صحتها على نعت واحد وإنما العلة المقتضية لتلك الصلاحية يجب أن تكون على نعت واحد والوجود وإن اختلف بالنسبة إلى المختلفات غير أنه في العقل والتصور معنى واحد يشمل القسمين فصح أن يكون مناطا للحكم وهذا كما قررناه في الجمع بين الشاهد والغائب بالشرط والمشروط والعلة والمعلول والدليل والمدلول والحقيقة والمحقق.
وأما الجواب عن الاعتراض الثالث وهو إجمال القول في تعلق الرؤية بالجوهر والعرض قلنا الإنسان يدرك من نفسه إدراك الحجمية الجوهر وتحيزه وشكله من تدوير وتثليث وتربيع وتخميس إلى غير ذلك من الإشكال ولهذا يبصر شخصا من بعد فيدري شخصيته ويشك في لونه وصغره وكبره كما ذكرنا أسباب ذلك ثم يدرك بعد شكله ولونه فعرف أن الإشكال والألوان غير والجسم من حيث هو جسم غير في البصر وقد أدركهما البصر جميعا فلا بد من مصحح جامع بينهما وذلك ما عيناه ولذلك قلنا أن اللون والمتلون لن يصلح أن يكون علة لأنه تركيب في العلة ومع كونه تركيبا هو تشكيل فإنهم يقولون المصحح هو اللون أو المتلون فلا العلة المركبة صالحة ولا التشكيل في العلة مستعمل فبطل ما نصبوه علة وصح ما نصبناه.
وقولهم لم تتعلق الرؤية بجميع الأعراض.
قلنا ولو تعلقت حسا بجميع الأعراض ما كنا نحتاج إلى طلب العلة كما لم نحتج إلى طلب العلة لتعلق العلم بالمعلوم إذ تعلق بكل ما يصح أن يعلم معدوما أو موجودا محالا أو ممكنا لكنا نطلب العلة لأنها تعلقت بالبعض وكما تعلقت ببعض الأعراض تعلقت بجميع الأجرام فطلبنا جامعا ولم نظفر بجامع بين الجواهر وبعض الأعراض كما صاروا إليه من اللون والمتلون فإن الرؤية تعلقت باللون كما تعلقت بالاجتماع والافتراق والمماسة والمحاذاة وهي أعراض وراء اللون فلم يكن بد من تعميم الحكم في كل عرض لعموم الجامع بين الجنسين ولا إشكال في هذه المسئلة سوى هذه المنزلة وهي ورطة العقول فليتحرز فيها تحرز الماشي في الوحول.
صفحه ۱۲۶