في وقت لاحق خلال هذه السلسلة من التجارب، وصف نيوتن إجراء أكثر تعقيدا، تعرضت من خلاله الأشعة المنبثقة من الموشور لمزيد من الانكسار عبر موشور ثان. وتعرضت كل أشعة من الأشعة الزرقاء والحمراء لنفس درجة الانكسار التي تعرضت لها عند تمريرها من الموشور الأول، ولاحظ نيوتن أن الأشعة الملونة الفردية لم تتحول إلى ألوان أخرى عند كسرها عبر الموشور الثاني. وعندما أدخل موشورا ثالثا ووضع جميع الموشورات في وضع متواز، سمح للأشعة المنبثقة من جميع الموشورات بالتداخل معا؛ وكما أشار «أينما تمتزج الأشعة الحمراء والصفراء والخضراء والزرقاء والبنفسجية المنبعثة من الموشورات العديدة معا، فإنها تظهر بيضاء». ومن خلال هذه التجارب صار لديه السمات الأساسية لما صار بعد ذلك نظريته الناضجة عن الضوء والألوان. فذهب إلى أن الضوء الأبيض لم يكن كيانا أساسيا أدى لظهور الألوان من خلال «تعديله»، ولكنه تألف من عدد (لم يكن نيوتن قد حدده في هذه المرحلة) من الأشعة الأولية المختلفة، «لكل منها معدل انكسار ثابت خاص به»، متجاهلا بذلك ما ذكره عن الجسيمات.
ثمة ملاحظة مهمة أخرى تمثلت في تحليله للأفلام الرقيقة الملونة، تلك الظاهرة التي كان هوك أول من لاحظها. فمن خلال فحص قطعة مسطحة من الزجاج عبر عدسة وضعت في أقرب موضع ممكن لقطعة الزجاج، تستطيع أن ترى حلقات متحدة المركز ذات ألوان مختلفة. وعن طريق حساب نصف قطر انحناء العدسة، وصل نيوتن إلى حد قياس طبقة الهواء الرقيقة الموجودة بين الحلقات متحدة المركز وبين الشريحة، والتي قدرها بقرابة مائة ألف جزء من البوصة. وقد وضع هذا التحليل في زهاء عام 1670 أو 1671، متوصلا إلى نتائج ظهرت لأول مرة في عمله «حوار حول الملاحظات» الذي أرسل إلى الجمعية الملكية في نهاية عام 1675، ثم بعد ذلك في كتابه «البصريات» الصادر عام 1704. وكان اكتشافه الأساسي هو أن سمك طبقة الهواء الرقيقة عند أي نقطة يتناسب مع مربع قطر كل دائرة أو حلقة. إضافة إلى هذا، فقد شكلت الصعوبة التي واجهها وآخرون في محاولة إحداث احتكاك بين قطعتي الزجاج فيما بعد دليلا رئيسيا على وجود قوى منفرة قصيرة المدى.
أظهر المقال الثاني من مقالات «عن الألوان» على نحو حيوي أيضا أن تجارب العين ظلت جزءا أساسيا من مشروعه. فبعد الاستغناء عن الشريحة النحاسية كأداة فعالة، اقتنى «مخرزا»، وهو أداة حياكة تستخدم لعمل فتحات في القماش، ومرة أخرى غرزه داخل التجويف الذي يقع خلف عينه «في أقرب موضع ممكن لمؤخرة عيني». وكما حدث في السابق، ظهر عدد من الدوائر، وكانت على حد تعبيره «أوضح ما يكون عندما واصلت فرك عيني بسن المخرز، ولكن إذا ثبت عيني والمخرز، حتى وإن واصلت الضغط على عيني به»، كانت الدوائر «تخبو وتبهت، وغالبا ما تختفي إلى أن أقوم بتجديدها بتحريك عيني أو تحريك المخرز».
شكل 3-3: رسم نيوتن لما قام به من تشويه لعينه بواسطة مخرز.
1
صرح نيوتن فيما بعد أن اكتشافه للزيغ اللوني قد وضع نهاية لجهوده لتحسين عملية تجليخ العدسات من أجل التلسكوبات الكاسرة. وكان ديكارت قد أشار إلى أن وضع عدسة مجلخة في أي من قطاعين مخروطيين (قطع زائد أو قطع ناقص) سوف ينتج عنه الصورة الواضحة التي لا يمكن الحصول عليها عن طريق عدسة كروية (نظرا لقانون الانكسار). وقد قضى نيوتن نفسه ساعات عدة يحاول القيام بالشيء نفسه، وسجل نتائجه في «المسودة». ولكن الزيغ اللوني جعل مثل هذه المحاولات مكررة، إذ إن الألوان المختلفة تنكسر على نحو مختلف، ولا يمكن الاستعانة بها لتكوين صورة واضحة. ولو كانت التلسكوبات الكاسرة خارج نطاق الاختيار (على الرغم من أن نيوتن لم يتخل عن الفكرة تماما)، فلربما كان بإمكانه أن يصنع واحدا يستخدم مرآة؟ ففيما اكتفى معاصروه بمناقشة الإمكانية النظرية لصنع مثل هذه الأداة، انطلق نيوتن وصنع نسخة ناجحة، صانعا كل جانب من الجهاز بيديه. وكان المعدن المصنوع منه الجهاز يفقد بريقه بسهولة وكانت الصورة عديمة اللون، ولكنه حل مشكلة الزيغ اللوني وكان يكبر الأجسام كأي نظارة كاسرة جيدة. وكان ذلك إنجازا استثنائيا، وبسببه اكتسب نيوتن - مكررا ما فعله في جرانثام - شهرة في كامبريدج.
هوامش
الفصل الرابع
الجماهير المولعة بالنقد
كان المنحنى المهم الذي اتخذته حياة نيوتن بعد أن أصبح عضوا أساسيا بالكلية في عام 1668 ميسرا إلى حد كبير بفضل إسحاق بارو، الذي كان في ذلك الحين قد أدرك قدرات نيوتن. فقد وجه لنيوتن الشكر (وإن لم يكن بالاسم) على مساعدته له في مراجعة كتابه «المحاضرات الثماني عشرة» عن الظواهر البصرية في عام 1669، وحضر نيوتن بشكل شبه مؤكد محاضراته في علم البصريات الهندسية في عامي 1667 و1668. وكان بارو على الأرجح غير مدرك للطبيعة الجذرية لأعمال نيوتن في هذا المجال، ولكن بفضل دعمه، انتخب نيوتن كخليفة له في كرسي أستاذية الرياضيات في جامعة كامبريدج في سبتمبر عام 1669.
صفحه نامشخص