وظلا سائرين إلى أن وصلا إلى بناية ضخمة مكونة من عدة أدوار وعدد من «البلوكات»، وأشارت هي إلى البناية وقالت: هنا أسكن في البلوك إلى اليمين.
وأضافت: أتعرف أن كل هذا يملكه مالك واحد؟
ولكنه أحس من إضافتها أنها تريد أن تخفي شيئا، وفطن إلى أنها ربما تريد أن تخفي عنه أن المالك الواحد هو الحكومة مثلا، وأنها بيوت مقامة لصغار الموظفين. عبيطة! حتى لو كانت تسكن في عشة، فالمشكلة ليست في سكنها، المهم فيها هي.
ودخلت المبنى الثالث الذي كان يحفل مدخله بعدد غير قليل من البسكليتات، ودخل وراءها، كان المدخل مظلما، وهمس لها: في أي دور؟ - هنا.
قالت هذا وهي تصعد بضع درجات إلى الدور الأول، ثم تقف عند باب الشقة المواجهة للمدخل.
وخيل لدرش أن كل ما يدور أمامه غير حقيقي ... لا بد أنه يحلم أو يخرف. ولكن المصيبة أنه لم يكن يحلم أو يخرف، فقد تمهلت عند الباب قليلا، ثم أدارت المفتاح، وانفتح باب الشقة، وتركت الباب مفتوحا. لم تكن الشقة مظلمة من الداخل، كان يضيئها مصباح كهربي خافت الضوء. وأحس درش برهبة ودارت بعقله الظنون: لماذا لا تكون هذه المرأة واحدة من عصابة تستدرج الناس والغرباء من أمثاله بوجه خاص لتقتلهم، كما كانت تفعل ريا وسكينة في مصر؟ خاطر تافه صحيح، ولكن ماذا يمنع أن يكون حقيقيا؟ واقترب من باب الشقة يتسمع مصمما أن يطلق ساقيه للريح لو سمع كلاما في الداخل أو صوتا، ولكنه لم يسمع شيئا. وغابت ... كان مفروضا أن تدعوه للدخول، فلماذا غابت في الداخل؟ لا بد أن هناك أمرا يدبر. - لماذا لا تدخل؟
ثم أردفت هامسة: ادخل.
ودق قلبه بلا خوف، وأحس باضطراب وهو يدلف من الباب، وخطا إلى الداخل بخطوات شديدة الحذر وكأنه يسير على حافة الهاوية، وكانت هي تسير أمامه، والغريب أنها كانت تسير عادية جدا بلا أي خوف أو حذر.
لم تكن الصالة واسعة، كانت صغيرة محندقة، كل ملليمتر فيها مستغل. ورغم الضوء الباهت فقد استطاع أن يميز قطع الأثاث ونوعها. لم تكن جديدة، ولكنها أيضا لم تكن تبدو وكأنها استعملت لفترة طويلة. ثم الصالة، والبيت كله له رائحة خاصة، رائحة بيت العائلة الصغيرة حين تدخله لأول مرة، وكأن لكل عائلة رائحة خاصة لا يدركها إلا القادم الغريب.
وقالت له وهي تهمس من بعيد همسا عاليا يكاد يصل إلى مستوى الكلام العادي: ألا تنوي أن تغلق الباب وراءك؟
صفحه نامشخص