لأن اللص كلمة لا يطلقها على نفسه، وإنما الناس هم الذي يصفونه بها. ثم إن اللص يسرق ما لا يملك، وأنا أعطي ما أملك. الحقيقة أن الناس هم الذين يسرقون مني وليس العكس، وحتى معظم الناس يعتبرونها أحيانا مجرد تعبير آخر لمهنة «رجل أعمال»، وأنا أيضا «سيدة أعمال» بطريقتي، وأنت الآخر «رجل أعمال». (كالأمطار الهادرة الغزيرة تكاثرت عليه الخواطر، فجأة دوى في الخارج أعنف انفجار سمعه في حياته، خيل إليه أن الكرة الأرضية نفسها اصطدمت بكوكب ضال في الفضاء . ولم يكن الأمر سوى رعد نيويورك والساحل الشرقي. رعد يزلزل طبول الآذان، فتدق دقات الرعب والهلع. رعد لم يسمع بمثله في حيته، وبرق حقيقي لم يره إلا في أفلام السينما. هو لأول مرة بخلفية وأمامية من رعد وبرق يقف مجردا من كل هالاته أمام امرأة عملها أن تتعرى، ومع هذا فهي أمامه في كامل ملامحها وملابسها، وهو الذي يرتجف بردا ورعدا، وبصراحة رعبا وخوفا، في بلده يكفي أن يقول فلان حتى تنحني الأفكار وتنطق النظرات بآيات التمجيد والتسليم. خلال عشرات الأعوام تكونت له قلعة من أفكاره وشخصيته وعقله وفراسته وذكائه وموهبته. يخجل حين تنحني النظرات أمام قلعته، ولكن حين يصبح الخجل عادة والتسليم هو القاعدة، يستحيل إلى نوع من الجبروت المطلق والفرعنة، وفيه وفي كل إنسان فرعون محبوس ينتهز الفرصة ليتسيد.
هذه امرأة عرفته تماما ولم تعرفه أبدا، حادثها وكان الحديث محاكمة واضح أنه فيها المتهم. هو دائما حين يتكلم تنبع الكلمات من مصدر في داخله يعرفه تماما، مصدر التلقائية والصدق، هذه المرة، الكلمات ردا على صراحتها، موضوعيتها، وقاحتها، تخرج كالعادة تلقائية وصادقة، ولكن المصدر، المصدر الذي كان دائما متأكدا من صادق وجوده وصفاء صدقه، بدأ يهتز إيمانه به، اختلطت الكلمات بعروق الصدق والكذب، لم يعد بالضبط يدرك، الارتباك يهدد بأن يصبح شبه تام.
فليمسح هذه المرأة من على ظهر الوجود، وجوده على الأقل، بل فليمسح المكان نفسه من الوجود.)
هو (بصوت مبحوح بالغيظ ومشروع جريمة) :
اسمعي يا بروفسيرة.
هي :
نعم أيها، أيها الطالب. (ضحكة ذات ذيل.)
هو :
دعك من هذا العبث الذي ضيع وقتي ووقتك. لقد جئت إلى هذا المكان متعبا بعد يوم حافل شاق أريد ساندويتشا و«جنجرايل»، وقلت لك مرارا وتكرارا إني لست ولن أكون زبونا لك أو لأي ممن هن على شاكلتك، حتى لو قالوا لي إنك في الأصل ملكة أو ابنة ملك، حتى لو قالوا إن لم تفعلها فستنتحري. اسمعي، أنا بالتأكيد أعرف أنك أضعت وقتي، ولكنني لست متأكدا تماما أني أضعت وقتك. ورغم هذا ، ولوجود هذا الاحتمال، فإني سأقدم لك مشروبا أعوضك به عن الوقت الضائع.
هي :
صفحه نامشخص