نزوات ماريان: وليالي أكتوبر ومايو وأغسطس
نزوات ماريان: وليالي أكتوبر ومايو وأغسطس
ژانرها
أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
مقدمة الليالي
أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
مقدمة الليالي
نزوات ماريان
نزوات ماريان
صفحه نامشخص
وليالي أكتوبر ومايو وأغسطس
تأليف
ألفريد دي موسيه
ترجمة
محمد مندور
مقدمة
بقلم محمد مندور
كاتب مسرحية «نزوات ماريان» وقصائد الليالي التي ننشرها في هذا الكتيب هو الشاعر الفرنسي الرومانسي الكبير ألفريد دي موسيه، الذي ولد في باريس سنة 1810 وتوفي بها في أول مايو سنة 1857، أي في وقت مبكر، وقبل أن يطول به العمر، ومع ذلك فقد استطاع هذا الأديب الكبير أن يغني الأدب الفرنسي، بل الأدب العالمي، بطائفة كبيرة من القصائد الرومانسية الحارة، ومن القصص والمسرحيات النثرية العامرة بروح الشعر، وروح الدعابة اللطيفة.
فبعد أن انتهى الشاب ألفريد دي موسيه من دراسته الثانوية بليسيه هنري الرابع بباريس أخذ يتردد، وهو لا يزال حدثا صغيرا، على الندوات الرومانسية التي استقبل فيها بحرارة، وفي سنة 1830 - أي وهو في العشرين من عمره - نشر أول ديوان له بعنوان «حكايات من إسبانيا وإيطاليا».
وفي الفترة التي تمتد من 1833 إلى 1835 تقع علاقته الشهيرة بالكاتبة جورج صاند، وقد رحلا معا إلى إيطاليا في ديسمبر سنة 1833 وهي الرحلة التي انتهت نهاية سيئة، إذ سقط ألفريد دي موسيه مريضا في مدينة البندقية، حيث عالجه طبيب اسمه الدكتور باجللو، وعاد وحيدا إلى فرنسا قاطعا علاقته بجورج صاند، وإذا كان قد عاد إلى عشيقته مرة ثانية، فإن القطيعة النهائية لم تلبث أن وقعت بينهما، وقد قص ألفريد دي موسيه قصة علاقته بجورج صاند في كتابه «اعترافات فتى العصر» الذي نشر سنة 1836، وقد أثيرت هذه العلاقة بعد ذلك بردح من الزمن، وفي سنة 1859 على وجه التحديد دار جدل طويل بين السيدة جورج صاند التي نشرت كتابا بعنوان «هي وهو» وبين بول دي موسيه - أخي ألفريد - الذي رد بكتاب «هو وهي»، واشتركت في هذه المناقشة مدام لويز كوليه بكتابها المسمى «هو». ومهما تكن قسوة هذه التجربة على شاعرنا الشاب، فإنها قد ألهبت شاعريته، إذ عرفته ما هو الألم، بل ما هي منابع الشعر، وبوحي هذه التجربة كتب أجمل أشعاره ونشرها في مجلة «دي موند»، وهي الليالي الأربع (ليلة أكتوبر، ومايو، وأغسطس، وسبتمبر) ثم قصيدته التي أسماها «خطاب إلى لامارتين» وقصيدة «الأمل في الله» وقصيدة «الذكرى».
صفحه نامشخص
وبعد هذه الأزمة العاطفية الخطيرة، سلخ ألفريد دي موسيه ستة عشر عاما فيما يشبه العقم الأدبي، إذ لم ينشر خلالها غير قليل من القصائد والأغاني القصيرة وبعض القصص والكوميديات النثرية، ولكن المجد لم يلبث أن ابتسم له ابتداء من سنة 1847م، فنجحت المسرحيات التي نشط لكتابتها وكان نجاحها في ظروف غريبة، كما قبل عضوا بالمجمع اللغوي - مجمع الخالدين - في 27 مايو سنة 1852، ومات في سن مبكرة - كما قلنا - نتيجة لإسرافه على نفسه في الشراب والعربدة، ولسوء الحظ لم يتجاوز من ساروا في جنازته، الثلاثين، ودفن في مقبرة بيرلا شيز بباريس، وغرست - بناء على طلبه - فوق قبره شجرة صفصاف.
قصة مسرحه
من المعلوم أن الرومانسيين أهملوا الكوميديا التي مزاجهم العاطفي الحار يصرفهم عنها، ومع ذلك، فقد انفرد ألفريد دي موسيه بكتابة المسرحيات الفكاهية، غير أن أول كوميديا قدمها وهي «ليلة البندقية» لاقت فشلا شديدا عندما مثلت بمسرح الأوديون في أول ديسمبر سنة 1830م، وقد هز هذا الفشل كبرياء دي موسيه هزا عنيفا، فأقسم على ألا يكتب للمسرح بعد ذلك، ولكنه لما كان مغرما بالصورة الدرامية، فقد استمر يكتب المسرحيات الفكاهية نثرا وينشرها للقراءة في مجلة دي موند، وكان من بين هذه الكوميديات نزوات ماريان التي نشرها سنة 1833م، وننشرها نحن اليوم مترجمة إلى العربية في هذا الكتيب.
ومع ذلك، فقد حدثت ظروف غريبة حققت لمسرحيات ألفريد دي موسيه نجاحا رائعا على المسرح، وذلك أن ممثلة فرنسية شهيرة هي مدام آلان دي بريه، مرت مصادفة بمدينة سان بترسبرج الروسية، حيث سمعت بإطراء شديد لمسرحية صغيرة تمثل على أحد مسارح المدينة، وحضرت هذه المسرحية التي راقتها فطلبت ترجمة فرنسية لها لتقوم بتمثليها في البلاط الإمبراطوري الروسي، وإذا بها مسرحية «نزوة» لألفريد دي موسيه، فمثلتها بالفرنسية بنجاح كبير في سانت بترسبرج، وعندما عادت إلى باريس ، قامت بتمثيلها على مسرح الكوميدي فرانسيز في 27 نوفمبر سنة 1847م، وكان تمثيلها كشفا للجمهور الباريسي عن عبقرية دي موسيه الدرامية، وقد شجع هذا النجاح على تمثيل عدد آخر كبير من مسرحيات ألفريد دي موسيه في باريس ثم في العالم كله.
ولقد جمعت هذه المسرحيات الخفيفة لألفريد دي موسيه بعد وفاته تحت عنوان «كوميديات وأمثال»، وهي كلها نثرية، ولكنها أقرب ما تكون إلى الشعر في أسلوبها المجنح، وفي انطلاقها الغنائي الذي تطرب له كل روح شاعرة، ثم إنها تجمع إلى الروح الشعرية المرهفة، روح الدعابة اللطيفة حينا والقارصة حينا آخر، وهي كلها تحمل الكثير من شخصية ألفريد دي موسيه وعواطفه الخاصة، ففي كل مرة يتحدث فيها عن الحب يخيل إلينا، بل نحس إحساسا واضحا بأنه يتحدث عن مشاعره الخاصة، وها نحن ننشر في هذا الكتيب بعد مسرحية «نزوات ماريان» ثلاثا من لياليه التي نظمها على أثر نكبته في حبه لجورج صاند، وقد اخترنا هذه الليالي الثلاث بالذات لأنه قد كتبها في صورة حوار بينه كشاعر وبين «الميز» إلهة الشعر، لكي يدرك القارئ بنفسه وحدة المعدن بين مسرح موسيه النثري وقصائد شعره، حتى ليسمى مسرحه بالمسرح الغنائي.
وأما سر تسميته بعض مسرحيات موسيه بالأمثال، فإنما يرجع إلى أنه قد كتب فعلا عن عدة مسرحيات فكاهية تصور أحداثها لتنطبق على أحد الأمثال السائرة، وقد شهد مسرحنا العربي المعاصر بالفعل إحدى تلك المسرحيات وهي مسرحية «لا عبث في الحب» التي عربت ومثلت باسم «راح يصيدها صادته»، وهي اسم نحس فيه رنين أمثلتنا الشعبية مما يصح معه أن نسميها «مثلا».
وأما عن ترجمة «نزوات ماريان» و«الليالي» الثلاث التي ننشرها في هذا الكتاب الشعبي، فكل ما نقوله عنها هو أننا قد حاولنا جهد المستطاع أن نحتفظ لهذه النصوص بروحها وتصويرها الشعري الرائع ما استطعنا إلى ذلك سبيلا رغم مشقة نقل الشعر من لغة إلى أخرى، وبخاصة هذا الشعر المجنح الذي يكاد يبز فيه ألفريد دي موسيه معظم زملائه الرومانسيين بقوة عاطفته وانطلاق خياله وبراعة تصويره.
أشخاص الرواية
كلوديو:
قاض عجوز.
صفحه نامشخص
أكتاف:
ابن عمه.
سيليو:
عاشق ماريان.
بيبو:
خادم سيليو.
ملفوليو:
تابع هرميا.
ماريان:
زوجة كلوديو.
صفحه نامشخص
هرميا:
أم سيليو.
خادم ماريان:
خادم هرميا، فارسان.
تبيا:
خادم كلوديو.
المنظر
في نابولي، ملابس إيطالية من عهد فرانسو الأول.
الفصل الأول
المنظر الأول
صفحه نامشخص
ميدان أمام منزل كلوديو (سيليو - بيبو)
سيليو :
هيه بيبو، أرأيت ماريان؟
بيبو :
نعم يا سيدي.
سيليو :
وبم حدثتك؟
بيبو :
وجدتها على أشد ما عرفتها من تورع وكبرياء. حدثتني عما اعتزمت من مفاتحة زوجها بالأمر إذا لم يكف سيدي عن طلبها.
سيليو :
صفحه نامشخص
يا له من حظ عاثر! ليس لي إذن إلا أن أطلب الموت. آه ما أقساها امرأة! بم تنصحني بيبو، وأي سبيل أسلك؟
بيبو :
بدء نصحي هو ألا تمكث حيث أنت الآن، فها هو ذا زوجها مقبل. (ينسحبان إلى قاع المسرح.)
المنظر الثاني (كلوديو - تبيا)
كلوديو :
عهدي بك خادمي الوفي، واليوم لي ثأر لا بد من أخذه.
تبيا :
لك أنت يا سيدي؟
كلوديو :
نعم، لي أنا، ما دامت تلك القيثار لا تستحي فتنحي نغماتها عن نافذة زوجتي، ولكن صبرا والأيام بيننا دول (يلمح سيليو وبيبو).
صفحه نامشخص
تعال بنا إلى هذا الجانب، ها هو نفر من المارة أخشى أن يتسقط حديثنا، عليك أن تحضر لي هذا المساء الفارس الذي حدثتك عنه.
تبيا :
وماذا تريد منه؟
كلوديو :
يخيل إلي أن لماريان عشاقا.
تبيا :
أتظن ذلك يا سيدي؟
كلوديو :
نعم نفذت إلي رائحة من يحوم منهم حول منزلي، حقا إنه لا يمر منهم أحد ببابي، ولكن السماء تمطر قيثارا ورسائل خفية.
تبيا :
صفحه نامشخص
وهل تستطيع أن تقصي من يريد أن يسمع زوجتك أغاني المساء؟
كلوديو :
لا، ولكني أستطيع أن أقيم خلف السياج فارسا يطيح برأس من تسبق به قدم إلى هنا.
تبيا :
لكن ما هذا القول؟ ألزوجتك عشاق؟ إذن فلي أنا أيضا عاشقات؟
كلوديو :
ولم لا يا تبيا؟ حقا إنك دميم الخلقة ولكنك لطيف الروح.
تبيا :
هذا صحيح! هذا صحيح!
كلوديو :
صفحه نامشخص
آه تبيا! أتسلم إذن بذلك، لم يعد في الأمر شك، وها أنا مضغة في الأفواه!
تبيا :
أي أفواه؟
كلوديو :
أفواه الجميع.
تبيا :
ولكن زوج سيدي مضرب الأمثال عفة في المدينة كلها، وقد احتجبت عن كل عين وما تغادر بيتها إلا للعبادة.
كلوديو :
لا عليك من ذلك، وانا بعد كابح جماح غضبي، آه، أهذا جزاء ما قدمت إليها من عطاء؟ نعم تبيا، سأحيك الشباك محكمة الحلقات، وقد أوشك الألم أن يأتي علي.
تبيا :
صفحه نامشخص
آه! لا كان ذلك.
كلوديو :
أرجوك أن تصدقني، كلما نفضت إليك أمرا. (يخرجون.)
المنظر الثالث (سيليو)
سيليو :
ويل لمن يسلم نفسه غض الإهاب إلى حب لا أمل فيه، ويل لمن يستسلم إلى الأحلام على غير بينة مما تقوده إليه ولا علم بما هو ملاق جزاء ما يهب من حب. ومثله مثل من يستلقي في رخاوة بزورق يذهب به قليلا قليلا بعيدا عن الشاطئ، فلا يصيب إلا لمحات من أودية مسحورة ومروج خضراء وسراب متهافت بأرض الأحلام، وقد حملته الأمواج قصيا حتى لتوقظه الحقيقة فإذا به بعيد عن غايته بعده عما خلف من شاطئ، فلا هو يستطيع مواصلة السير، ولا هو يستطيع العودة إلى حيث كان. (يسمع عزفا)
ما هذا الحفل؟ من القادم؟ أليس هو أكتاف؟
المنظر الرابع (سيلو - أكتاف، وقد تنكر في عباءة مقدودة من الأمام وعلى رأسه قناع يمثل ذئبا وبيده مطرقة.)
أكتاف (مخاطبا من معه في حفل التنكر، الذين لا يرون من المسرح) :
كفى أيها الإخوان، عودوا إلى منازلكم، كفى ركلا اليوم (مخاطبا سيليو وقد نزع قناعه)
صفحه نامشخص
وأين أنت يا سيدي من أحزانك المشرقة!
سيليو :
أكتاف، أبك مس؟ ما هذه الحمرة التي تلطخ منك الخدود؟ وما هذه الأسمال التي تنكرت بها؟ أما تستحي ونحن في وضح النهار؟
أكتاف :
وأنت سيليو أما بك مس بدورك؟ ما هذا البياض الذي يلطخ خديك؟ ومن أين لك بهذا الرداء الأسود الفضفاض؟ أما تستحي وسط هذا الحقل؟
سيليو :
كنت في سبيلي إلى منزلك.
أكتاف :
وأنا أيضا في سبيلي إلى منزلي، وما أدري عن أمره شيئا، وقد غادرته منذ ثمانية أيام!
أكتاف :
صفحه نامشخص
لي عندك رجاء.
أكتاف :
تكلم سيلو، تكلم ولدي العزيز، أتريد مالا؟ لقد نفد كل ما أملك.
أتريد سيفي، هاك مطرقة! تكلم! تكلم! سلني ما تريد.
سيليو :
وإلى متى تبقى بعيدا عن بيتك؟ ثمانية أيام تبقى بعيدا عن منزلك، سنأتي على حياتك يا أكتاف.
أكتاف :
لن آتي عليها بيدي أيها الصديق، كلا لن يكون ذلك أوانه، لأهون على نفسي أن أموت حتف أنفي من أن أجهز على حياتي.
سيليو :
ولكن أليست الحياة التي تحياها ضربا من الانتحار؟
صفحه نامشخص
أكتاف :
مثلي مثل راقص فوق حبل بأرجله حذاء فضي وبين يديه عصا الاتزان، وقد علق بين الأرض والسماء، وحوله ميمنة وميسرة وجوه مسنة ضئيلة جعداء، وأشباح متهافتة شاحبة، وغرماء أيقاظ، وأهل، وداعرات، حشدوا جميعهم في كتيبة من الوحوش، تتعلق بردائه، وقد أخذ كل يجذبه ناحيته فما لاتزانه من بقاء، وقد انتشر من حوله كل قول زائف وكل كلام مصطنع، فما يرى إلا سحبا تتجهمه بكل نبوءة مخيفة حتى لكأنها طيور سوداء ترفرف بأجنحتها فوق رأسه، وأما هو فحاث السير من شرق إلى غرب، وما أن ينطلق منه بصر إلى أسفل حتى تدور منه الرأس، وما أن يرتفع بصر إلى أعلى حتى يزل منه القدم، فهو أمضى من الريح، وما ليد أن تمتد إليه، فتحمله على إراقة قطرة واحدة مما يشرب من نخب مرح. هذا مثلي أيها الصديق العزيز. هذه صورة حياتي.
سيليو :
ما أسعدك بما أصابك من مس.
أكتاف :
وما أحوجك إلى مس، تصيب به السعادة، ولكن قل لي ماذا ينقصك لتكون سعيدا؟
سيليو :
تنقصني راحة النفس، ينقصني ذلك الرضاء الذي يجعل من الحياة مرآة تنعكس عليها الأحداث برهة ثم تولي إلى غير رجعة. إن استدنت لاحقتني وخزات الضمير، تلتمسون من الحب مزجيا للفراغ وفيه شقاء حياتي وما لك علم أيها الصديق بمدى الحب، الذي يختلج في فؤادي، ها قد مضى شهر وأنا بعيد عن كتبي أهيم ليل نهار حول هذا المنزل. بأية نشوة أقود جوقتي الصغيرة تحت هذه الشجيرات، وقد أخذت أشعة القمر تطالعنا ؟ جوقتي الصغيرة وقد قمت عليها أوقع ما تتغنى به عن جمال ماريان، ولكم امتد بصري عبثا يلتمس محياها من منفرج النافذة، ولكم وددت أن لو أسندت جبينها المشرق إلى حافتها!
أكتاف :
ومن هي ماريان هذه؟ أتعني زوجة ابن عمي؟
صفحه نامشخص
سيليو :
هي بعينها، زوجة شيخنا كلوديو.
أكتاف :
لم أرها في حياتي، ولكنها ولا شك زوجة ابن عمي، وكلوديو هو الرجل الذي يصلح لها، بصرني بلبانة نفسك سيليو.
سيليو :
لقد أخفق كل ما احتلت به لأبلغها أمر حبي، وقد نشأت بدير وهي تخلص الود لزوجها كما تحرص على واجبها، وقد أغلقت بابها دون شباب المدينة كلها؛ فما لأحد أن يجد إليها سبيلا.
أكتاف :
أهي جميلة؟ وفيم السؤال؟ ألست تحبها؟ دعنا نقدر للأمر!
سيليو :
هل لي أن أصارحك القول؟ وهبني فعلت، أتعدني ألا تسخر مني؟
صفحه نامشخص
أكتاف :
دعني أسخر وصارحني القول.
سيليو :
ما أظن بابها مغلقا دونك وأنت من ذوي قرباها.
أكتاف :
ذلك لا علم لي به، وهب الأمر كذلك، فلسنا كالحزمة المتماسكة، ولا صلة بيننا إلا أن تكون مراسلة، ولكن ماريان تعرفني اسما، أتريدني أن أكون لك عندها شفيعا؟
سيليو :
كم من مرة حاولت منها دنوا فتخاذلت مني المفاصل، ما رأيتها إلا تقطعت أنفاسي حتى لأحسب قلبي قد صعد إلى ما بين الشفتين.
أكتاف :
وهذا إحساس تبينته في نفسي، ومثلنا عندئذ مثل صائد يطارد غزالا ولى عنه بخطى قصيرة فوق ما جف من أوراق غابة كثيفة، وقد أخذت الأغصان تنحدر في حفيف عن جوانبه فيما يشبه حفيف الثوب، وإذا بصائدنا يحبس من أنفاسه المتصاعدة وقد أمسك عن السير وسكن كل ما به، إلا قلب متلاحق الضربات.
صفحه نامشخص
سيليو :
لم خلقت كذلك؟ ولم لا أحب تلك المرأة كما لو كان المحب أنت أو كانت المحبوبة غيرها؟ وفيم حزني وإطراقي مما تشرق له أسارير رجل مثلك ويتهلل محياه، وتنصرف إليه نفسه كما ينصرف حديد إلى قوة جاذبة؟ ولكن ما الحزم وما الإشراق وما الحقيقة إلا أشباح، وما تقديسها إلا خيال أو جنون ، وما الجمال إلا جنون ، وكلنا رجل يخطو مكسوا بهالة شفافة تشمله من رأس إلى قدم تهيئ له من عوالم الرؤيا غابات وأنهارا ووجوها قدسية، حتى لكأن الكون رقعة سحرية تحليها ألوان لا عداد لما بينها من دقيق الفوارق، أكتاف، أكتاف، النجدة، النجدة.
أكتاف :
ما أحب غرامك إلى نفسي سيليو، وقد سرى بنفسك سريان بنت الدن، ها هي يدي أبسطها لنجدتك، أمهلني قليلا، ها هو النسيم يخطر بوجهي فاستجم أفكاري، عهدي بماريان مبغضة لي وإن لم يسبق لنا لقاء وهي بعد دمية رقيقة لا تحفل بغير نزواتها كالطفل المدلل.
سيليو :
أستحلفك ألا تضللني ولتفعل بعد ذلك ما تشاء، ومن اليسير تضليلي، وكيف لي أن أوقي نفسي الخديعة في أمر لا أريد أن آتيه بنفسي؟
أكتاف :
وما الرأي لو نصحتك بتسلق الجدران؟
سيليو :
وما جدوى ذلك ما دامت لا تحبني.
صفحه نامشخص
أكتاف :
ولم لا تكتب لها؟
سيليو :
لأنها تمزق رسائلي أو تعيدها إلي.
أكتاف :
ولم لا تلتمس لحبك هدفا غيرها؟
سيليو :
كيف السبيل وأنفاس حياتي بين يديها، تنفث فيها النار من شفتيها إن أرادت، وتخمد وهجها إن شاء هواها، وإنه لأهون على نفسي أن أموت في سبيلها من أن أعيش لغيرها. هس ها هي خارجة!
أكتاف :
دعني فإني سائر لحديثها.
صفحه نامشخص
سيليو :
عجبا أفي أسمال تسير إليها؟ أصلح من سيماك ونح عنك غيرة الجنون هذه.
أكتاف (وهو يخلع عباءته) :
ليكن ما تريد، وأنا بعد - عزيزي سيليو - والجنون صنوان، يعزني كما أعزه، فما ينهض بيننا نزاع، إن أمرته أطاع وإن أمرني أطعت، ولا تخش علي من ذلك شيئا، ومثلي مثل طالب يمرح في عطلة تراه يرقص عشية، يولي منه عقله حينا ويعاوده حينا، ولا عقل لي إلا نزوات نفسي، وسبيلي هو أن أسلم للحكاة قيادها فتسير في يسر، حتى لو أنه طلب إلي أن أحادث ملكا لما حادثته بغير ما أنا محدث به متعة عينيك.
سيليو :
لقد اختلطت مني المشاعر، لا، لا تحادثها.
أكتاف :
ولم؟
سيليو :
لست أدري لذلك سببا ولكني أخشى منك الخديعة.
صفحه نامشخص
أكتاف :
هذه يدي، وكيف لي أن أخدع أعز أحبابي، وما خدعت أحدا في حياتي. (يخرج سيليو.)
المنظر الخامس (أكتاف - ماريان)
أكتاف :
لا تصدفي عني ربة الجمال، لا تحرمي مولاك الخاشع من بعض لحاظك.
ماريان :
من أنت؟
أكتاف :
أنا أكتاف، ابن عم زوجك.
ماريان :
صفحه نامشخص