إذا فالواجب أن نرد معاني تلك الآيات التي وقع فيها النزاع إلى معاني تلك الآيات التي أجمعوا على معانيها، ولم يختلفوا في تفسيرها، لأنها محكمات يرد إليها المتشابه، والدليل على أنها محكمات: أن الأمة لم تختلف في تفسيرها، ولم تتنازع في تأويلها، فيرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه، وهذه هي الطريقة التي جرى عليها أئمتنا عليهم السلام ومن وافقهم، وهي طريقة عقلية سليمة يطمئن إليها العقل، وترتظيها الفطرة، مع العلم أنهم لم يخرجوا في تفسيرهم لهذه الآيات المتشابهة عن حدود اللغة العربية، ولم يتجاوزا به استعمالات العرب، بل قد تكون تلك التفاسير أدخل في البلاغة وأعرق في الفصاحة، وذلك أنهم يحملون تلك الألفاظ على معانيها المجازية، والمجاز أبلغ من الحقيقة على ما ذكره علماء البيان، ويشهد له الذوق السليم.
فالوجه في استعمال العرب: يطلق على نفس الشيء كما ذكره في القاموس، فأئمتنا عليهم السلام وموافقوهم فسروا الوجه في قوله تعالى: ((ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام))، بأن المعنى: ويبقى ربك، فلفظ الوجه يطلق ويراد به معنى المضاف إليه كما ذكره في القاموس، ومما يشهد لذلك من كلام العرب قولهم: هذا هو وجه الرأي، ووجه الصواب، والمعنى: هذا هو الرأي والصواب.
صفحه ۲۷