ـ[نواهد الأبكار وشوارد الأفكار = حاشية السيوطي على تفسير البيضاوي]ـ
المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: ٩١١هـ)
الناشر: جامعة أم القرى - كلية الدعوة وأصول الدين، المملكة العربية السعودية
عام النشر: ١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٥ م
عدد الأجزاء: ٣
أعده للشاملة/ أبو إبراهيم حسانين
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع (الرسالة الجامعية) وهو مقابل]
_________
تنبيهات:
١ - ذكر المؤلف أنه وصل في هذه الحاشية إلى آخر سورة الأنعام
١ - القدر الذي وقفنا عليه من الكتاب هو ٣ أجزاء «رسائل دكتوراة من جامعة أم القرى - كلية الدعوة وأصول الدين - قسم الكتاب والسنة، ١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٥ م»
• جـ ١ [من أول الكتاب: البقرة (٢٠)]: د أحمد حاج محمد عثمان بإشراف د أمين محمد عطية باشا
• جـ ٢ [البقرة (٢١): آل عمران (١١٢)]: د محمد كمال علي بإشراف د أمين محمد عطية باشا
• جـ ٣ [آل عمران (١١٣): التوبة (٤٨)]: د أحمد بن عبد الله بن علي الدروبي بإشراف د سليمان الصادق البيرة
٢ - الصفحة رقم ٢٣٨ من المجلد الأول ناقصة من النسخة المصورة
٣ - تمت مقابلة الجزء الأول والثالث فقط
صفحه نامشخص
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة الإمام السيوطي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سبحان الله وبحمده منزل الكتاب تبصرة وذكرى لأولي الألباب، آتيا من أساليب البلاغة بالعجب العُجاب، راقيا من ذرى الفصاحة مرقى لا يجال ولا يجاب، معجزة للنبي الهاد، سيد من ركب الجواد، وأهدى من سلك الجوادَّ، وأفصح من نطق بالضادِ، المبعوث بالمنهل العذب لِيَرْوِيَ (١) كل صادٍ، ويهدي كل صاد، المؤيد بالمعجزات التي لا يحصيها عدُّ (٢) عادٍّ، المخصوص باستمرار معجزته إلى يوم التنادِ، وبقراءة كتابه في الجنان باللسان (٣) العربي المستجادِ، المؤتى جوامعَ الكلم بالإيجادِ، لتقوم أمته إلى قيام الساعة بالاستنباط والاجتهاد.
صلوات الله عليه وسلامه ما حدا حادٍ، وشدا شادٍ، وبدا باد، وعدا عادٍ، وما غدا أو راح رائح وغاد، وعلى آله الأمجاد وأصحابه الأنجادِ.
أما بعد (٤)، فإن التفسير في الصدر الأوّل كان مقصورا على السماع، محصورا في باب الاتّباع، يحفظ في الصدور عن الصدور، ويرجع إلى الأثر والنقل ويدور (٥)، فلما حدث تدوين الكتب (٦) وتصنيفها، وذلك في منتصف المائة الثانية أجروه مُجرى الأحاديث والآثار، وساقوه مساق (٧) ما دوّنوه من الأخبار، فقلّ إمام من أئمة الحفظ ألّف جامعا أو مسندا إلاّ وألّف تفسيرا ساق فيه ما وقع له بالأسانيد موردا.
ومفتتح هذه الطبقة مالك (٨)؟. . . . . . . . .
_________
(١) في د: فيروي.
(٢) في ح: عدد.
(٣) في ح، د: بلسانه.
(٤) في ت، ظ: وبعد.
(٥)
في ح: وعلى النقل يدور.
(٦) في هامش نسخة ظ: تدوين الكتب في منتصف المائة الثانية من الهجرة.
(٧) في ت: سياق.
(٨) لم يدون الإمام مالك ﵀ كتابًا في التفسير مستقلًا، أو مضافًا إلى الموطأ، ولكن كان له كلام في التفسير على حسب الحاجة، تلقاه عنه أصحابه ونقلوه، وقد بين ذلك القاضي أبو بكر ابن العربي حين قال في كتابه القبس في شرح موطأ مالك بن أنس ٣/ ١٠٤٧ كتاب التفسير: هذا كتاب التفسير، أرسل مالك ﵁ كلامه فيه إرسالًا، فلقطه أصحابه عنه، ونقلوه=
1 / 1
ووكيع (١)، وسفيان (٢)، وتبعهم من جاء بعدهم من الأئمة الأعيان، كعبد الرزاق (٣)،
والفريابي (٤)، وسعيد بن منصور (٥)، وآدم بن أبي إياس (٦)، وابن أبي شيبة (٧)
وإسحاق بن راهويه (٨) وعبد بن حميد (٩)، وخلائق كلهم مليءٌ بالحفظ ريّان.
_________
=كما سمعوه منه، ما خلا المخزومي، فإنه جمع له فيه أوراقًا فألفيناها في دمشق في الرحلة الثانية، فكتبناها عن شيخنا أبي عبد الله المصيصي، الأجل الأمين المعدل، وكان كلامه ﵀ في التفسير على جملة علوم القرآن.
قلت: وجمع الحافظ محمد بن عمر بن محمد أبو بكر البغدادي الجعابي ت ٣٥٥هـ جزءًا فيه التفسير المروي عن مالك، وقعت روايته للحافظ ابن حجر. انظر في المعجم المفهرس ١٠٩.
(١) هو وكيع بن الجراح بن مليح أبو سفيان الرؤاسي، كان من بحور العلم، وأئمة الحفظ، صاحب التفسير الذي رواه عنه محمد بن إسماعيل الحساني، توفي سنة سبع وتسعين ومائة. سير أعلام النبلاء ٩/ ١٤٠، وطبقات المفسرين ٢/ ٣٥٧.
(٢) هو سفيان بن مسروق أبو عبد الله الثوري، إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين في زمانه، توفي سنة ست وعشرين ومائة. سير أعلام النبلاء ٧/ ٢٢٩، وبطقات المفسرين ١/ ١٨٦ وتفسيره مطبوع بتحقيق امتياز علي عرشي.
(٣) هو عبد الرزاق بن همام بن نافع أبو بكر الصنعاني، عالم اليمن، توفي سنة إحدى عشرة ومائتين. سير أعلام النبلاء ٩/ ٥٦٣، وطبقات المفسرين ١/ ٢٧٨ وتفسيره مطبوع، حققه الدكتور مصطفى مسلم، والدكتور الطبيب عبد المعطي قلعجي.
(٤) هو جعفر بن محمد بن الحسن أبو بكر الفريابي، تميز في العلم، توفي سنة إحدى وثلاثمائة. سير أعلام النبلاء ١٤/ ٩٦، وتذكرة الحفاظ ٢/ ٦٩٢ وتفسيره وصل إلى الحافظ ابن حجر، وأفاد منه في كتبه، فتح الباري ١/ ٦٨، وتغليق التعليق ٢/ ٢٤، والعجاب في بيان الأسباب ١/ ٢٤/.
(٥) هو سعيد بن منصور بن شعبة أبو عثمان الخراساني، كان ثقة صادقًا من أوعية العلم، توفي سنة سبع وعشرين ومائتين. سير أعلام النبلاء ١٠/ ٥٨٦، وتذكرة الحفاظ ٢/ ٤١٦ وتفسيره طبع بعضه بتحقيق الدكتور سعد عبد الله آل حميد.
(٦) هو آدم بن أبي إياس أبو الحسن الخراساني، محدث عسقلان، توفي سنة عشرين ومائتين. سير أعلام النبلاء ١٠/ ٣٣٥، وتذكرة الحفاظ ١/ ٤٠٩.
(٧) هو عبد الله بن محمد بن القاضي أبي شيبة إبراهيم أبو بكر العبسي، سيد الحفاظ، وصاحب المسند، والمصنف، والتفسير، توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين. سير أعلام النبلاء ١١/ ١٢٢، وطبقات المفسرين ١/ ٢٤٦.
(٨) هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد أبو يعقوب المروزي، شيخ المشرق، صاحب المسند، والسنن، والتفسير المشهور الذي رواه عنه محمد بن يحيى بن خالد المروزي، توفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين سير أعلام النبلاء ١١/ ٣٥٨ وطبقات المفسرين ١/ ١٠٢.
(٩) هو عبد بن حميد بن نصر، أبو بكر الكسي، روى عن كثيرين مذكورين في تفسير الكبير، توفي سنة تسع وأربعين ومائتين. سير أعلام النبلاء ١٢/ ٢٣٥، وطبقات المفسرين ١/ ٣٦٨.
1 / 2
وجاءت بعدهم طبقة أخرى أصحاب نحو ولغة فألفوا في معاني القرآن ما يزيل الإغراب، وضموا إلى معانيه المقتبسة من اللغة ما تحتاج إليه تراكيبه من الإعراب، كالفراء (١)، والزجاج (٢)، والنحاس (٣)، وابن الأنباري (٤)، في آخرين أتراب.
ثم حدث في المائة الرابعة مصنّفون ألّفوا تفاسير لخصوا فيها من تفاسير الحفاظ الأقوال بترا، ومن كتب أصحاب المعاني معاني وأعاريب صاغوها بعد أن كانت تبرا.
ثم جاءت فرقة أصحاب نظر في علوم البلاغة التي يُدرَكُ بها وجه الإعجاز وأسرار البلاغة (٥) التي هي لحلل التراكيب طراز.
وصاحب (٦) الكشاف هو سلطان هذه الطريقة، والإمام السالك في هذا المجاز إلى الحقيقة، فلذا طار كتابه في أقصى الشرق والغرب، ودار عليه النظر إذ لم يكن لكتابه نظير في هذا الضرب.
_________
(١) هو يحيى بن زياد بن عبد الله أبو زكرياء الفراء، كان فقيهًا عالمًا بأيام العرب وأخبارها وأشعارها متكلمًا يميل إلى الاعتزال، توفي سنة سبع ومائتين. معجم الأدباء ٦/ ٢٨١٢ وبغية الوعاة ٢/ ٣٣٣ حقق الأستاذ محمد علي النجار معاني القرآن للفراء.
(٢) هو إبراهيم بن السري بن سهل أبو إسحاق النحوي، كان من أهل الدين والفضل، حسن الاعتقاد، جميل المذهب، توفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة. معجم الأدباء ١/ ٥١ وإنباه الرواة ١/ ١٥٩ حقق الدكتور عبد الجليل عبده معاني القرآن وإعرابه للزجاج.
(٣) هو أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو جعفر النحاس، صاحب الفضل الشائع والعلم الذائع، توفي سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة. معجم الأدباء ١/ ٤٦٨ وإنباه الرواة ١/ ١٠١ وللنحاس إعراب القرآن، حققه الدكتور زهير غازي زاهد، ومعاني القرآن، حققه الشيخ محمد علي الصابوني.
(٤) هو محمد بن القاسم بن محمد أبو بكر ابن الأنباري، كان من أعلم الناس بنحو الكوفيين وأكثرهم حفظًا للغة، له كتاب المشكل في معاني القرآن، بلغ فيه إلى سورة طه، وأملاه سنين كثيرًا ولم يتمه، توفي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة. معجم الأدباء ٦/ ٢٦١٤، وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ١/ ٢١٢.
(٥) في د: البراعة.
(٦) هو محمود بن عمر بن أحمد أبو القاسم الزمخشري جار الله، كان إمامًا في التفسير والنحو واللغة والأدب، وكان معتزلي الاعتقاد، متظاهرًا به، توفي سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة. معجم الأدباء ٦/ ٢٦٨٧ ووفيات الأعيان ٥/ ١٦٨.
1 / 3
ولما علم مصنفه أنه بهذا الوصف قد تحلى (١) وترقى (٢) إلى مرتبة ما دنا إليها غيره ولا تدلى قال -تحدثا بنعمة ربّه وشكرا، لا علوّا في الأرض ولا فخرا -:
إِنَّ التَّفاسيرَ في الدنيا بلا عدد ... وليس فيها لعمري مثلُ كشَّافي
إِنْ كنت تبغي الهدى فالزم قراءتَهُ ... فالجهل كالداء والكشاف كالشافي (٣) (٤)
وقد نبّه هو في خطبة كتابه على الوصف الذي به تميز (٥) جليل نصابه، فقال:
_________
(١) في د: تجلى
(٢) في ح: ورقى
(٣) لا تغيب عن أذهاننا في خضم هذا الثناء البالغ حقيقة الزمخشري وكشافه، فإنه -سامحه الله- رجل مجاهر بالاعتزال، مباه به، قد وظب مقدرته البلاغية، وملكته الأدبية في لَيِّ أعناق النصوص الشرعية، وقيادها إلى مذهبه، وفي محاولة إفساد استدلال أهل السنة بها على الحق الذي دلت عليه، وفي الازدراء بأهل السنة، ونبزهم بالألقاب الشنيعة وتشييد أركان الاعتزال ورفع أهله، فأصبح كتابه -بجانب إظهار النكت البلاغية، واللطائف الإعجازية التي تميز بها- حشو بدع وضلالات.
ويحتال للألفاظ حتى يديرها لمذهب سوء فيه أصبح مارقًا
وهاك بعض مقالات أهل العلم الذين سبروا كتابه، وخبروا شأنه، قال العلامة تاج الدين السبكي في كتابه: معيد النعم ومبيد النقم ص٨٠: واعلم أن الكشاف كتاب عظيم في بابه، ومصنفه إمام في فنه إلا أنه رجل مبتدع متجاهر ببدعته، يضع من قدر النبوة كثيرًا، ويسيء أدبه على أهل السنة والجماعة، والواجب كشط ما في الكشاف من ذلك كله. ولقد كان الشيخ الإمام يقرئه فلما انتهى إلى الكلام على قوله تعالى في سورة التكوير: ﴿إنه لقول رسول كريم﴾ أعرض عنه صفحًا، وكتب ورقة حسنة سماها: سبب الانكفاف عن إقراء الكشاف.
وقال فيها: قد رأيت كلامه على قوله تعالى: ﴿عفا الله عنك﴾ وكلامه في سورة التحريم في الزلة، وغير ذلك من الأماكن التي أساء أدبه فيها على خير خلق الله تعالى سيدنا رسول الله ﷺ، فأعرضت عن إقراء كتابه حياء من النبي ﷺ، مع ما في كتابه من الفوائد والنكت البديعة.
وقال السيوطي نفسه في كتابه التحبير في علم التفسير ص٥٤٥: وممن لا يقبل تفسيره: المبتدع، خصوصًا الزمخشري في كشافه، فقد أكثر فيه من إخراج الآيات عن وجهها إلى معتقده الفاسد بحيث يسرق الإنسان من حيث لا يشعر، وأساء فيه الأدب على سيد المرسلين ﷺ في مواضع عديدة، فضلًا عن الصحابة وأهل السنة، وقد أحسن الذهبي إذ ذكره في الميزان وقال: كن حذرًا من كشافه.
وانظر: في مجموع فتاوى شيخ الإسلام ١٣/ ٣٥٩ والبحر المحيط لأبي حيان ٧/ ٨٥.
(٤) لم أر هذين البيتين في ديوان الزمخشري. وانظر: في معجم الأدباء ٦/ ٢٦٨٩، وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ٢/ ٢٨٠.
(٥) في ت، د: الذي يميز.
1 / 4
اعلم أن متن كل علم، وعمود كل صناعة، طبقات العلماء فيه متدانية، وأقدام الصُنّاع فيه متقاربة أو متساوية، إن سبق العالم العالم لم يسبقه إلاّ بخطى يسيرة، أو تقدّم الصانع الصانع لم يتقدمه إلا بمسافة قصيرة.
وإنما الذي تباينت فيه الرُّتب، وتحاكت فيه الرُّكب، ووقع فيه الاستباق والتناضل، وعظم فيه التفاوت والتفاضل حتى انتهى الأمر إلى أمد من الوهم متباعد، وترقى إلى أن عدّ ألف بواحد = ما في العلوم والصناعات من محاسن النكت والفِقَر، ومن لطائف معان فيها (١) مباحث للفِكَر، ومن غوامض أسرار محتجبة وراء أستار، لا يكشف عنها من الخاصة إلاّ أوحَدِيُّهم (٢) وأخصهم، وإلاّ واسطتهم وفَصُهُم، وعامتهم عُماةٌ عن إدراك حقائقها بأحداقهم، عُناةٌ في يد التقليد، لا يُمَنّ عليه بجزّ نواصيهم وإطلاقهم.
ثم إن أملأ العلوم بما يَغمُرُ القرائح، وأنهضها بما يَبهرُ الألباب القوارح من غرائب نكت يلطف مسلكها، ومستودعات أسرار يدقّ سلكها = علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه كل ذي علم، كما ذكر الجاحظ (٣) في كتاب "نظم القرآن ".
فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام، والمتكلّم وإن بَزّ (٤)
أهل الدنيا في صناعة الكلام، وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن
القِريِّة (٥) حفظ، والواعظ وإن كان من الحسن البصري (٦) أوعظ، والنحويّ وإن
_________
(١) كذا في النسخ: وفي الكشاف ١/ ٢ معان يدق فيها مباحث للفكر.
(٢) في د: أوحدهم.
(٣) هو عمرو بن بحر بن محبوب أبو عثمان الجاحظ، كان من الذكاء والحفظ بحيث شاع ذكره، وإليه تنسب الفرقة المعروفة بالجاحظية من المعتزلة، توفي سنة خمس وخمسين ومائتين. معجم الأدباء ٣/ ٢٠١٠، ووفات الأعيان ٣/ ٤٧٠ وكتابه: نظم القرآن من الكتب التي تكرر تأليفها ثلاث مرات، ولا أعلم له نسخة مخطوطة. قال ياقوت: كتاب نظم القرآن له ثلاث نسخ.
(٤) بزه يبزه بزاه: أي سلبه. الصحاح/ مادة بز.
(٥) هو أيوب بن زيد بن قيس أبو سليمان الهلالي، المعروف بابن القرية، والقرية جدته، كان أعرابيًّا أميًّا، وكان يضرب به المثل في الفصاحة والبيان، قتله الحجاج سنة أربع وثمانين. وفيات الأعيان ١/ ٢٥٠ وتاريخ الإسلام حوادث سنة ٨١ - ١٠٠ ص٤٣.
(٦) هو الحسن بن أبي الحسن: يسار أبو سعيد البصري، كان من سادات التابعين وكبرائهم، توفي سنة عشر ومائة. وفيات الأعيان ٢/ ٦٩ وسير أعلام النبلاء ٤/ ٥٦٣.
1 / 5
كان أنحى من سيبويه (١) واللغوي وإن علك اللغات بقوّة لحييه لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلاّ رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما علم المعاني وعلم البيان، وتمهّل في ارتيادهما آونة، وتعب في التنقير عنهما أزمنة، وبعثته على تتبع مظانّهما همّة في معرفة لطائف حجة الله، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله ﷺ بعد أن يكون آخذًا من سائر العلوم بحظ، جامعا بين أمرين: تحقيق وحفظ، كثير المطالعات طويل المراجعات، قد رجع زمانًا ورجع إليه، ورَدّ ورُدّ عليه، فارسًا في علم الإعراب، مقدمًا في حملة الكتاب، وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها، مشتعل القريحة وقّادها، يقظان النفس، درّاكا للمحة وإن لطف شأنها، منتبها على الرمزة وإن خفي مكانها، لاكزًا (٢) جاسيًا (٣) ولا غليظا جافيا، متصرّفا، ذا دربة بأساليب النظم والنثر، مرتاضا -غير رِّيضٍ (٤) - بتلقيح بنات الفكر، قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلّف، وكيف ينظّم ويرصف، طالما دفع إلى مضايقه، ووقع في مداحضه ومزالقه (٥).
هذا ما ذكره في خطبة الكشاف مشيرا إلى ما يجب في هذا الباب من الأوصاف، عرضا بأنه المتحلّي بهذا الوصف، وأن كتابه هو الآتي على سنن (٦) هذا الوصف.
ولقد صدق وبرّ ورسخ نظامه في القلوب فوقر وقرّ.
وتعقّبه البلقيني (٧) في الكشاف فلم يدرك مغزاه، ولا طابق ما أورده منطوق
_________
(١) هو عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر المعروف بسيبويه، عمل كتابه المنسوب إليه، الكتاب، وهو مما لم يسبقه إليه أحد، توفي سنة ثمانين ومائة. إنباه الرواة على أنباه النحاة ٢/ ٣٤٦ وبغيية الوعاة ٢/ ٢٢٩.
(٢) الكززة الانقباض واليبس. الصحاح/ مادة كزز.
(٣) جسا ضد لطف. الصحاح/ مادة جسا.
(٤) يقال: ناقة مروضة وقد ارتاضت، وناقة ريض أول ما ريضت وهي صعبة بعد. الصحاح/ مادة روض.
(٥) الكشاف: ١/ ١٧.
(٦) في د: نسق.
(٧) هو عم بن سلان بن نصير سراج الدين أبو حفص الكناني البلقيني، كان أحفظ الناس لمذهب الشافعي، واشتهر بذلك وطبقة شيوخه موجودون، توفي سنة خمس وثمانمائة. الضوء اللامع على الكشاف، ومنها قطعة مخطوطة في مجلد يشتمل على تفسير جزء من سورة النساء. انظر في فهرس دار الكتب المصرية ١/ ٧ ملحق الجزء الأول.
1 / 6
ما ذكره ولا فحواه، قائلا:
قصد الزمخشري بما أبان الإشارة إلى براعته في علم المعاني وعلم البيان.
وكيف يترجح فنان جمعتهما أوراق يسيرة، وجدولان جاريان في جداول (١) صغيرة، قد وضعا بعد الصحابة والتابعين بمئين من السنين، وحفرا بعد البحار الزاخرة، ووشيا بالتحبير بعد تكملة الخِلع (٢) الفاخرة = على الفنون التي طافت المشارق والمغارب كالطوفان؟.
أين ذكرهما في الصحابة الذين هم أسد الغابة؟ أين ذكرهما في التابعين الذين كانوا للصحابة شاهدين سامعين؟ أين ذكرهما في عصر الفقهاء؟ من نبّه عليهما في الأقدمين من النبهاء.
وما على الناس من اصطلاح أتى به عبد القاهر الجرجاني (٣) واقتفاه السكاكي (٤) فيما ذكر من المعاني، ولا يقوم لهما في كثير من المقامات دليل، وليس لهما إلى ذلك سبيل. وعلم التفسير إنما هو يتلقى من الأخبار، ويسلك فيه مسالك الآثار.
وأقول: لم يتوارد البلقيني والزمخشري على محلّ واحد، وليس الزمخشري لانحصار تلقي التفسير من الأحاديث (٥) والآثار بجاحد.
كيف وانحصار التفسير في السماع كلمة إجماع، والنهي عن القول في القرآن بالرأي ملأ الأسماع.
ولهذا لم يذكر أهل الحديث مع من عدد (٦) من أرباب الفنون، ولا أدرجهم
_________
(١) في ح، ق: أخاديد.
(٢) في ت: الحلل.
(٣) هو عبد القاهر بن عبد الرحمن أبو بكر النحوي الجرجاني، عالم بالنحو والبلاغة، توفي سنة إحدى وسبعين وأربعمائة. إنباه الرواة على أنباه النحاة ٢/ ١٨٨ وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ٢/ ١٠٦.
(٤) هو يوسف بن أبي بكر: محمد سراج الدين أبو يعقوب السكاكي الخوارزمي، كان علامة بارعًا في فنون شتى، خصوصًا المعاني والبيان، وله كتاب: مفتاح العلوم فيه اثنا عشر علما من علوم العربية، توفي سنة ست وعشرين وستمائة، بغية الوعاة ٢/ ٣٦٤ وتاج التراجم في من صنف من الحنفية ٢٨٤.
(٥) في ظ: الأخبار.
(٦) في ت: عد.
1 / 7
في زمرة من ذكر وإن جالت من المعترض الظنون، وإنما مقصوده ما أشار إليه أوّلا أن القدر الزائد على التفسير من استخراج محاسن (١) النكت والفقر ولطائف المعاني التي يستعمل فيها الفكر، وكشف الأستار عن غوامض الأسرار، وبيان ما في القرآن من الأساليب، وما تضمنه من وجوه البلاغة في التراكيب = لا يتهيأ له إلاّ من برع في هذين العلمين، وتبحر في هذين الفنين، وصار مجتهدا في علوم البلاغة، ذا تصرّف في أفانين البراعة، خبيرا بأساليب الكلام، بصيرا بمسالك النظام؛ لأن لكل نوع (٢) أصولا وقواعد، هي للوصول إلى حقيقته مصاعد، ولا يُدرك فنّ بقواعد فنّ آخر وإن شرف ذلك الفنّ، وفضل على الأوّل لما فاخر (٤).
والفقيه والمتكلّم بمعزل عن أسرار البلاغة، واللغوي والنحوي إنما يدركان من مدلول اللفظ وإعرابه بلاغة، والقاص والأخباري أقلّ من أن يُتَوَهّمَ فيهما الصلاحية للتكلّم في القرآن، وأذلّ من أن يجوز لهما الخوض في أسرار الفرقان.
ومراده بحافظ الأخبار الحافظ لأيام الناس والمؤرخ الذي اقتصر على ما ليس له في بنيان العلم (٥) أساس، ولهذا ضرب له المثل بابن القرِّيِّة، لأنه كان بهذه الصفة، ولم يكن له بالأخبار النبوية حفظ ولا معرفة.
ولو أراد به حافظ الأحاديث لضرب المثل بمالك وسفيان (٦)، أو بأحمد والبخاري، ونحوهما (٧) من الأعيان، فعرف أن للزمخشري مقصدا غير ما فهمه المعترض، ومنحى لا ينخدش بما ذكره المتعقب ولا ينتقض.
وقد كان الصحابة يعرفون هذا المعنى بالسليقة، وبه قامت عندهم المعجزة على الحقيقة، فاهتدوا بسببه إلى أقوم طريقة.
ألم يثبت عن جبير بن مطعم أنه قال: أتيت النبي ﷺ في
_________
(١) في ظ: من
(٢) في د: فن.
(٣) في د: حقائقه.
(٤) في د: وفاخر.
(٥) في ح: العلوم.
(٦) في هو سفيان بن عيينة بن أبي عمران: ميمون، شيخ الإسلام أبو محمد الهلالي الكوفي ثم المكي، قال الشافعي: لولا مالك وسفيان بن عيينة لذهب علم الحجاز، توفي سنة ثمان وتسعين ومائة. سير أعلام النبلاء ٨/ ٤٠٠ والعقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ٤/ ٥٩١.
(٧) في د: ونحوه.
1 / 8
فداء أسرى بدر فوجدته يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [سورة الطور ٣٥] كاد قلبي يطير (١) وأدركه الإسلام.
ومرّ أعرابي على قارئ يقرأ (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) [سورة الحجر ٩٤] فسجد وقال: سجدت لفصاحة هذا الكلام (٢).
فكانوا يعرفون بالطبع وجوه بلاغته كما كانوا يعرفون وجوه إعرابه، ولم يحتاجوا إلى بيان النوعين في ذلك العصر؛ لأنه لم يكن يجهلهما أحد من أصحابه (٣)، فلما ذهب أرباب (٤) السليقة والتبس الإعراب باللحن، والمجاز بالحقيقة وضع لكل من الإعراب والبلاغة قواعد يدرك بها ما أدركه الأولون بالطبع وتُساعد، فكان حكم علم (٥) المعاني والبيان كحكم علم النحو والإعراب، وكانت الحاجة إليهما داعية لإدراك وجه الإعجاز والإعراب.
ولما كان كتاب الكشاف هو الكافل في هذا الفنّ بالبيان الشاف اشتهر في الآفاق اشتهار الشمس، وجهر به في محافل المجالس (٦) بين الفضلاء من غير همس، واعتنى الأئمة والمحققون بالكتابة عليه، وتسارع العلماء والفضلاء في المناقشة والمنافسة إليه:
فمن مميز لاعتزال (٧) حاد فيه عن صوب الصواب، ومن مناقش له فيما أتى به من وجوه الإعراب، ومن محش وضّح ونقح، وتمم ويمم، وفسر وقرّر، وحبّر وحرّر، وجال وجاب، واستشكل وأجاب.
ومن مخرّج لأحاديثه عزا وأسند، وصحح وانتقد.
ومن مختصر لخص وأوجز، وكمّل ما أعوز.
فممن كتب عليه الإمام ناصر الدين أحمد بن محمد ابن المُنَيِّر الإسكندري
_________
(١) رواه البخاري في ٤/ ١٨٣٩ ح٤٥٧٣، ومسلم ١/ ٣٣٨ ح ٤٦٣.
(٢) قال عبد الله الثعالبي: ثلاث كلمات اشتملت على شرائط الرسالة، وشرائعها، وأحكامها، وحلالها، وحرامها، الإعجاز والإيجاز ٢٣.
(٣) في د، ق الصحابة.
(٤) في د: أصحاب.
(٥) في: علمي.
(٦) في ح: الفضلاء.
(٧) في ظ: للاعتزال.
1 / 9
المالكي (١) كتابه " الانتصاف " بيّن فيه ما تضمنه من الاعتزال، وناقشه في أعاريب أحسن فيها الجدال.
وتلاه الإمام علم الدين عبد الكريم بن علي العراقي (٢) في كتابه " الإنصاف " جعله حكما بين " الكشاف " و" الانتصاف ".
ولخصهما الإمام جمال الدين ابن هشام (٣) في مختصر لطيف مع يسير زيادة، خفيفة.
وأكثر الإمام أبو حيان (٤) في بحره من مناقشته في الإعراب ومجادلته في الإضراب (٥).
وتلاه تلميذاه الشهاب أحمد بن يوسف الحلبي المشهور بـ " السمين " (٦)، البرهان إبراهيم بن محمد بن السفاقسي (٧). . . . . . . . . . . . . . . . . . .
_________
(١) هو أحمد بن محمد بن منصور أبو العباس الاسكندري المعروف بابن المنير -بضم الميم وفتح النون وياء مثناة من تحت مشددة مكسورة- له الباع الطويل في علم التفسير والقراءات، توفي سنة ثلاث وثمانين وستمائة، الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب ١/ ٢٤٣ وفوات الوفيات ١/ ١٤٩ وحاشيته مطبوعة في هامش الكشاف في بعض طبعاته.
(٢) هو عبد الكريم بن علي بن عمر علم الدين الأنصاري العراقي، له في التفسير اليد الباسطة، صنف فيه: الإنصاف في مسائل الخلاف بين الزمخشري وابن المنير، توفي سنة أربع وسبعمائة. طبقات الشافعية الكبرى ١٠/ ٩٥ والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ٢/ ٣٩٩، وحاشته مخطوطة ومنها نسخ، انظر في: الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط، مخطوطات التفسير وعلومه ١/ ٣٥١.
(٣) هو عبد الله بن يوسف بن عبد الله بنه هشام أبو محمد النحوي، أتقن العربية ففاق الأقران، بل الشيوخ، توفي سنة واحدة وستين وسبعمائة. الدرر الكامنة ٢/ ٣٠٨ وبغية الوعاة ٢/ ٦٨ وحاشتيه مخطوطة، ومنها نسخ، انظر في: الفهرس الشامل ١/ ٤١٦.
(٤) هو محمد بن يوسف بن علي أثير الدين أبو حيان الأندلسي الجياني، كان عارفا باللغة وأما النحو والتصريف فهو الإمام المطلق، توفي سنة خمس وأربعين وسبعمائة. الدرر الكامنة ٤/ ٣٠٢ وبغية الوعاة ١/ ٢٨.
(٥) في ت، ظ: بالإضراب.
(٦) هو أحمد بن يوسف بن محمد أبو العباس الحلبي المعروف بالسمين، لازم أبا حيان إلى أن مهر في حياته، توفي سنة ست وخمسين وسبعمائة، كتاب المقفى الكبير ١/ ٧٥٠ والدرر الكامنة ١/ ٣٦٠.
(٧) هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم أبو إسحياق السفاقسي المالكي النحوي، جمع إعراب القرآن،=
1 / 10
في إعرابهما (١)، ثم قد يوافقانه، وقد يتبعانه بالجواب، ويقرران أن الذي قاله الزمخشري هو الصواب.
ولخص الشيخ تاج الدين ابن مكتوم (٢) مناقشات شيخه أبي حيان في تأليف مفرد سمّاه " الدرّ اللقيط من البحر المحيط ".
وممن كتب عليه حاشية العلاّمة قطب الدين الشيرازي (٣) في مجلدين لطيفين، والعلاّمة فخر الدين أحمد بن الحسن الجابردي (٤)، والعلاّمة شرف الدين الحسين بن محمد بن عبد الله الطيبي (٥) وهي أجلّ حواشيه، في ست مجلّدات ضخمات، والعلاّمة أكمل الدين محمد بن محمود البابرتي (٦)، رأيت منها مجلّدا
_________
=توفي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ١/ ٦١ وبغية الوعاة ١/ ٤٢٥ وإعراب القرآن له اسمه: المجيد في إعراب القرآن المجيد، حقق موسى محمد إعراب الفاتحة والجزء الأول من سورة البقرة، ثم حقق الدكتور حاتم الضامن إعراب الفاتحة ضمن نصوص محققة في علوم القرآن الكريم.
(١) في د، ق: في إعرابهما.
(٢) هو أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم أبو محمد النحوي، جمع من تفسير أبي حيان مجلدا سماه: الدر اللقيط من البحر المحيط، قصره على مباحث أبي حيان مع ابن عطية والزمخشري، توفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة. الدر الكامنة ١/ ١٧٤ وبغية لوعاة ١/ ٣٢٦.
(٣) هو محمود بن مسعود بن مصلح قطب الدين الشيرازي، كان من بحور العلم ومن أذكياء العالم، له حاشية على الكشاف في مجلدين لطيفين، توفي سنة عشر وسبعمائة. طبقات الشافعية الكبرى ١٠/ ٣٨٦ وبغية الوعاة ٢/ ٢٨٢ وكشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون ٢/ ١٤٧٧ وحاشيته مخطوطة، ومنها نسخ، انظر في: الفهرس الشامل ١/ ٣٥٢.
(٤) هو أحمد بن الحسن بن يوسف فخر الدين الجابردي، كان إماما فاضلا دينا مواظبا على الشغل في العلم وإفادة الطلبة، له حواش على الكشاف مشهورة، توفي سنة ست وأربعين وسبعمائة. الطبقات الكبرى ٩/ ٨ والدر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ١/ ٢٤٢ وحاشتيه مخطوطة، ومنها نسخ، انظر في: الفهرس الشامل ١/ ٤٠٤.
(٥) هو الحسين بن محمد بن عبد الله شرف الدين الطيبي، كان مقبلًا على نشر العلم، آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن، شرح الكشاف شرحا كبيرا، توفي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ٢/ ١٨٥ وبغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ١/ ٥٢٢ حققت حاشيته على الكشاف رسائل علمية في الجامعة الإسلامية.
(٦) هو محمد بن محمود بن أحمد بن أحمد أكمل الدين البابرتي، كان فاضلًا صاحب فنون، وافر العقل له حاشية على الكشاف، توفي سنة ست وثمانين وسبعمائة. الدرر الكامنة ٤/ ٢٥٠، وتاج التراجم ص٢٧٦.
1 / 11
على الفاتحة، وقطعة من البقرة، ولا أدري أكمّلها أم لا (١)، والعلاّمة سعد الدين
مسعود بن عمر التفتازاني (٢)، وهي ملخصة من حاشية الطيبي، مع زيادة تعقيد
في العبارة، ولم يتمها (٣)، والعلاّمة السيد الجرجاني (٤)، رأيت منها كراريس،
ولا أدري إلى أين وصل (٥)، وشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، وهي أسلوب
آخر غير أساليب المذكورين.
وإنما كتب منها اليسير (٦)، والشيخ وليّ الدين أبو زرعة أحمد ابن الحافظ
الكبير زين الدين عبد الرحيم العراقي (٧) في مجلدين لخص فيهما كلام ابن المنير،
_________
(١) قال قاسم بن قطلوبغا زين الدين في: تاج التاجم ...: وحاشيته على الكشاف إلى تمام الزهراوين. ص٢٧٧ وحاشيته مخطوطة، ومنها نسخ، انظر في: الفهرس الشامل ١/ ٤٢٤.
(٢) هو مسعود بن عمر بن عمر بن عبد الله سعد الدين التفتازاني، العلامة الكبير، له شرحا التخليص، وحاشية الكشاف، توفي سنة واحدة وتسعين وسبعمائة. الدرر الكامنة ٥/ ٣٥٠ وبغية الوعاة ٢/ ٢٨٥ وحاشيته مخطوطة، ومنها نسخ، انظر في: الفهرس الشامل ١/ ٤٢٥.
(٣) قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: والذي تحرر منها من أول القرآن إلى أثناء سورة يونس، ومن سورة الفتح.
وقال حاجي خليفة في كشف الظنون ٢/ ١٤٧٨ وصل فيها إلى سورة الفتح.
وفي آخر نسخة مصورة بمعهد البحوث العلمية برقم ٥٣٦ ل٧٨٤ التفسير في أثناء سورة الفتح: هذا آخر ما وفق الشارح العلامة، وهو السعد التفتازاني لتحريره وتحقيقه وتصنيفه وتعليقه على الكشاف، جزاه الله.
(٤) هو علي بن محمد بن علي أبو الحسن الجرجاني، يعرف بالسيد الشريف، عالم الشرق، كان بينه وبين التفتازاني مباحثات ومحاورات في مجلس تمرلنك، وله من الحواشي: حاشية على أوائل الكشاف، توفي سنة ست عشرة وثمانمائة. الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٥/ ٣٢٨ والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع ١/ ٤٨٨ وحاشيته مطبوعة في هامش الكشاف في بعض الطبعات.
(٥) وصل إلى تحشية تفسير الآية السادسة والعشرين من سورة البقرة. انظر في: الكشاف مع حاشية الجرجاني ١/ ٢٦١.
(٦) ذكر السيوطي في معجم شيوخه: المنجم في المعجم ص١٢٦ أن علم الدين صالح بن عمر البلقيني ولد المؤلف أكمل هذه الحاشية.
(٧) هو أحمد ابن الحافظ عبد الرحيم بن الحسين أبو زرعة الكردي، يعرف كأبيه بابن العراقي، كان عالما فاضلا، له تصانيف في الأصول والفروع، وفي شرح الأحاديث، ويد طولي في الإفتاء، اختصر الكشاف مع تخريجه أحاديث، وتتمات ونحوها، توفي سنة ست وعشرين وثمانمائة. الضوء اللامع ١/ ٣٣٦ والبدر الطالع ١/ ٧٢ وحاشيته مخطوطة، ومنها نسختان. انظر في: الفهرس الشامل ١/ ٤٥٠.
1 / 12
والعلم العراقي، وأبي حيان، وأجوبة الحلبي، والسفاقسي مع زيادة تخريج أحاديثه.
وممن خرّج أحاديثه الإمام المحدث فخر الدين الزيلعي (١)، ولخص كتابه حافظ العصر الشهاب أبو الفضل ابن حجر في مختصر لطيف.
وسيد المختصرات منه كتاب " أنوار التنزيل وأسرار التأويل " للقاضي ناصر الدين البيضاوي، لخصه فأجاد، وأتى بكل مستجاد، وماز منه أماكن الاعتزال، وطرح مواضع الدسائس وأزال (٢)، وحرر مهمات، واستدرك تتمات، فبرز كأنه (٣) سبيكة نُضَار، واشتهر اشتهار الشمس في وسط النهار، وعكف عليه العاكفون، ولهج بذكر محاسنه الواصفون، وذاق طعم دقائقه العارفون، فأكبّ عليه العلماء والفضلاء تدريسا ومطالعة، وبادروا إلى تلقيه بالقبول رغبة فيه ومسارعة، ومرّوا على ذلك طبقة بعد طبقة، ودرجوا عليه من زمن مصنفه إلى زمن شيوخنا متسقة.
ولقد كان شيخاي الإمامان الأكملان، والأستاذان الأفضلان، بقية النحارير المدققين، وعمدة المشايخ المحققين تقي الدين الشمني (٤)، ومحيي الدين الكافيجي (٥)، سقى الله ثراهما شآبيب الغفران، وأمطر على مضجعهما سحائب
_________
(١) هو عبد الله بن يوسف بن محمد أبو محمد جمال الدين الزيلعي، اشتغل كثيرا ولازم مطالعة كتب الحديث إلى أن خرج أحاديث الهداية، وأحاديث الكشاف، توفي سنة اثنتين وستين وسبعمائة، الدر الكامنة ٣/ ٣١٠ والبدر الطالع ١/ ٤٠٢.
وتخريج أحاديث الكشاف له اسمه: كتاب تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الكشاف للزمخشري. حقق رسائل علمية في جامعة أم القرى، وطبع بعناية سلطان بن فهد الطبيشي.
(٢) ولكن بقيت مع ذلك فيه دسائس اعتزالية، وواسب فلسفية، تبع فيها الزمخشري وجاراه، سببه: التوغل في علوم الفلاسفة، وعدم التضلع بالأحاديث والآثار، ولقد أحصى السيوطي -رحمة الله عليه- أكثر من عشرين موضعا زلت فيها قدم البيضاوي، فناقشه فيها ورد عليه. انظر في الداسة.
(٣) في ت، ظ: كتابه.
(٤) هو أحمد بن محمد بن محمد أبو العباس الشمني -بضم الشين المعجمة والميم وتشديد النون- القسطيني الحنفي، إمام النحاة في زمانه وشيخ العلماء في أوانه، له شرح المغني لابن هشام، توفي سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة. الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٢/ ١٧٤ وبغية الوعا ١/ ٣٧٥.
(٥) هو محمد بن سليمان بن سعد أبو عبد الله الكافيجي الحنفي: كان إماما كبيرا في المعقولات كلها، الكلام وأصول الفقه والنحو والتصريف والمعاني والبيان والجدل والمنطق والفلسفة، توفي سنة تسع وسبعين وثمانمائة. الضوء اللامع ٧/ ٢٥٩ وبغية الوعاة ١/ ١١٧.
1 / 13
الرضوان يقرآن هذا الكتاب فيأتيان في تقريره بالعجب العجاب، ويرشدان من كنوزه ورموزه إلى صوب الصواب.
فلما توفاهما الحق إلى رحمته، ونقلهما من هذه الدنيا الدَّنِيَّةِ إلى فسيح جنته شغرت الديار المصرية من محقق، وخلت من مدرّس يبدي ضمائره مدقق، فصار الكتاب بما فيه من الكنوز كصندوق مقفل، وأصبح لفقد من فيه أهلية لتدريسه كأنّه مغفل، فألهمني الله ﷾ أن جردت الهمّة لتدريسه، وشددت المئزر لتقرير ما فيه وتأسيسه، فشرعت في إقرائه مفتتح سنة ثمانين وثمانمائة، فأقرأت فيه (١) في مدة عشر سنين متوالية من أوّله إلى أثناء سورة هود، وبذلت المجهود في استقراء مواده، والتنقير عن معادنه، ولزمت النظر والسُهود والكواكب شُهود، وشرعت مع ذلك في تعليق حاشية عليه تحلل خفاياه، وتذلل مطاياه، فسمع بذلك السامعون، وطمع في الوصول إليها الطامعون، وجسر على إقرائه حينئذٍ كل جسور وهجم من متعرّبة ومن عجم، ممن لا يفرق في مقدمة التصريف بين باب ضرب يضرب، وباب نصر ينصر، فضلا عن أن يحوي عنده شتاتَ تلك العلوم التي هي أصول له ويحصر، وممن إذا قرأ الكرّاس نظرا يصحف التفقية بالتقفية، ويحرّف الترفية بالترقية، وإذا سمع باستعارة أو حجاز كان بينه وبين إدراك ذلك مجاز، بحيث سمع قولي في مقامة:
" وأنا " الحامل للشريعة المحمدية على كاهلي، والراقم لها في تصانيفي بأناملي " فاستنكر ذلك وقال:
" الشريعة لا تحمل على الكواهل، ولا ترقم، إنما ترقم الخطوط الدالة عليها بالأنامل ".
فانظروا من بلغ به الجهل المفرط هذا الحد، ومن أدّاه السقوط والعامية إلى أن يعيب هذا الكلام البليغ، ويوجه نحوه الردّ! وبحيث سمع قولي:
" أعلم خلق الله الآن قلما وفما " فاستثكر ذلك من حيث الإعراب وعده وهما، وقال:
" إن نصب الاسمين على التمييز فرع أن يقال: قلم عالم، وفم عالم، وهو بعيد عن التجويز ".
_________
(١) في د، ح، ق: منه.
1 / 14
فانظروا إلى من لم يسمع قط في علم المعاني بالإسناد المجازي، ولا مرّ على أذنه تمثيلهم بشعر شاعر، وقصيدة شاعرة، ونهار صائم، وما له يوازي، ولا قرأ القرآن وهو ممتلئ به على لغة كل عربيّ حجازي، وغير حجازي.
ثم ارتقى من الجهل مصعدا يرتقي عنه أسفل السافلين، ويرتفع عنه (١) أجهل الجاهلين الغافلين، وقال: " إن هذه العبارة منكرة شرعا، ممنوعة من قبل الحكم الديني منعا؛ لأنها تشمل الملائكة وجبرائيل وميكائيل " فملأ بذلك وعاءه جهلا، لا وَزَنَهُ ولا كاله؛ لأنه لم يقف قط على قول العلماء في مثل ذلك: إنه موكول إلى تخصيص العقل بعالم القائل السالك، وعلى ذلك قوله تعالى لبني إسرائيل (وأني فضلتكم على العالمين) قالوا: لا تدخل فيه لما ذكر الأنبياء ولا الملائكة.
ولولا اعتبار هذه القاعدة التي ليس عنها براحٌ لكان التلقيب بقاضي القضاة، وأقضى القضاة محرّما غير مباح، لأنه شامل لكل نبي، أجل، بل ولربِّ العالمين سبحانه ﷿.
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيًّا. . . ولكن لا حياةَ لمن تنادي (٢)
وممن إذا سمع بذكر الاجتهاد الذي هو من آكد فروض الشريعة تعجب منه، وعدّه من المنكرات الفظيعة (٣) (٤).
الله أكبر! نزر العلم، وغزر الجهل، وتكلّم من ليس للخطاب بأهل.
وممن إذا روي له حديث لم يفرّق بين الموقوف والمرفوع، ولا بين الموصول والمقطوع، ولا بين الصحيح والموضوع.
وأعظم من ذلك أنه يعتمد الأخبار المختلقة الموضوعة، ويرد الأحاديث الصحيحة المسموعة، سنة بني إسرائيل، وتحريف ابن صوريا على جبرائيل (٥).
_________
(١) في ت، ح، د: عنده.
(٢) لكثير عزة، انظر في: ديوان كثير ص٢٢٢ قال شارح الديوان: قيل البيت في الرثاء، ثم أصبح مثلًا يضرب لمن يوعظ فلا يقبل ولا يفهم.
(٣) في د: القطيعة.
(٤) انظر في تحدث السيوطي عن إنكار ابن الكركي الاجتهاد على السيوطي في شرح مقامات جلال الدين السيوطي ١/ ٣٨٨.
(٥) المقصود بهذا الكلام هو: إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد أبو الوفاء الكركي الأصلي، القاهري المولد والدار ٨٣٥ - ٩٢٢ الذي نعته السخاوي في الضوء اللامع ١/ ٦٢ بقوله: =
1 / 15
أفتارك (١) أنا هذا الكتاب البديع المثال، المنيع المنال عرضة لهؤلاء، كأنه خبز شعير، وفيه من فرائد الفوائد ما يجلّ عن مقابلته من الذهب الناض بحمل بعير، ففرقة تأكله وتذمه، وتتوهّم فيه بحسب فهمها السقيم أدنى خلل فلا ترمه.
ومنهم من يريد أن يعربه فيعجمه (٢)، ويصبح ظمآن وفي البحر فمه (٣).
_________
="وقد درس وصنف، وأفتى، وحدث وروى، ونظر ونثر، ونقب وتعب، وخطب ووعظ، وقطع ووصل، وقدم وأخر، كل هذا مع الفصاحة والبلاغة وحسن العبارة".
وذلك أنه كان بينه وبين جلال الدين السيوطي خصومة عنيفة أملتها المعاصرة، واقتضتها المنافسة، فنال أحدهما من الآخر، وصوب إليه سهام الطعن، وفوق إليه نصال الأذى، فألف السيوطي عنه مقام سماها: الدوران الفلكي على ابن الكركي، قال فيها: "وأذكر بناء البروز إذ أفتيت بأنه لا يجوز، فغضب من ذلك وزمجر، ونبع الشر من فيه وتفجر وقال: ما له وللتكلم في هذا! فقد ضر الناس بذلك وآذى.
وذلك لأن له بروزا أحدثه خشي من هدمه، فيا فضيحة الإنسان من ربه إذا لم يعمل بعلمه، ثم يطوق تلك الأرض في عنقه من سبع أرضين، وكيف لا أتكلم في ذلك وأنا الحامل للشريعة المحمدية على كاهلي، والراقم لها في تصانيفي بأناملي، وأنا الذي بالعلم حقيق وقمن، أعلم خلق الله الآن قلما وفما، إن لم أكن أحق بالتكلم فمن"؟ شرح مقامات جلال الدين السيوطي ١/ ٤٠٨ ثم إن إبراهيم الكركي ألف مقامة دفاعًا عن نفسه، وردا على مقامة السيوطي، لم أقف عليها، لكن في مكتبة الأزهر كتاب جمع فيه إبراهيم الكركي مسائل فقهية، سماه: فيض الكريم على عبده إبراهيم، ربما تكون المقامة من محتوياته، انظر في: فهرس الأزهر ٢/ ٢٣٤.
ثم ألف السيوطي مقامة أخرى سماها: طرز العمامة في التفرقة بين المقامة والقمامة، ردا على مقامة ابن الكركي جال وصال فيها، وأبدأ وأعاد فيها، واستفرغ وسعه، وبذل قصارى جهده في نقضها، والنيل منه، والوقيعة فيه. ثم وصل أمرها إلى الخليفة العباسي المتوكل على الله أبي العز عبد العزيز بن يعقوب، ففض بينهما، وردعهما من التهارش، ومنعهما من التناوش. انظر في: شرح مقامات السيوطي ٢/ ٨١٣.
(١) في ح: أفأترك.
(٢) مقتبس من رجز الحطيئة جرول بن أوس:
فالشعر صعب وطويل سلمه ... إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت به إلى الحضيض قدمه ... والشعر لا يسطيعه من يظلمه
يريد أن يعربه فيعجمه
ديوان الحطيئة ٢٣٩
(٣) مقتبس من رجز لرؤبة بن العجاج:
كالحوت لا يرويه شيء يلهمه ... يصبح ظمآن وفي البحر فمه
انظر في: مجموع أشعار العرب ١٥٩.
1 / 16
فحبست ما كتبت منه عشرين سنة، ولم أسمح به لأحد، لا في يقظة ولا في سنة.
ولقد جاءني رائد منهم ناصبا لي الحبالة يريد ليوصله إلى من يستعين به على إقرائه، لا أبا له، فألقمت الحجر فاه، وتلوت على قفاه:
أتت بجرابها تكتال فيه. . . فردت وهي فارغة الجراب
ألم تر إلى الذي توسل إلينا بأبناء الحنفاء، وتوصل إلينا بأولاد الخلفاء، وتطفل علينا في الموائد فأذنّا لبعض تلامذتنا أن يسمحوا له ببعض ما لنا من الفوائد، فكان أوّل أمره نصب، وآخره غصب، وأغار على كتابنا " المعجزات والخصائص " وغيره، وخان وجنى ثمار غروسنا، وهو فيما جناه جان، فسوّد بذلك وجهه، وتوجه من ترك أداء الأمانة إلى شر وجهة، وسرق من عدة كتب لنا جواهر، لا ملك له فيها ولا شبهة، فنبهنا على خيانته، وإنا لصادقون، وبعثنا في ناديه مؤذنا يؤذن (أيتها العير إنكم لسارقون) [سورة يوسف ٧٠] وعلمنا بذلك بخس ميزانه في الوازنين (١)، وتلونا على قفاه (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين) [سورة يوسف ٥٢] (٢).
_________
(١) في د، ق: في الموازين.
(٢) كان بين السيوطي وبين بعض علماء عصره منازعات أدبية ومخاصمات علمية، فألف عددا من المقامات ردا عليهم وانتصافا منهم، مصرحا بأسمائهم، فمن ذلك: ما ألفه ردا على شمس الدين السخاوي سماها: الكاوي في تاريخ السخاوي، وما ألفه ردا على إبراهيم الكركي، وهي عدة مقامات: الدوران الفلكي على ابن الكركي، الجواب الزكي عن قمامة ابن الكركي، الصارم الهندي في عنق ابن الكركي، وما ألفه ردا على شمي الدين الجوجري سماه: اللفظ الجوهري في رد خباط الجوجري.
ومن هذه المقامات مقامة أخرى سماها: الفارق بين المصنف والسارق ألفها ردا على مؤلف اتخذ قرصنة الكتب بضاعة بعد أن أفلس في عالم العلم والتأليف، وتعرض له في مقامة له أخرى سماها: ساحب سيف على صاحب حيف. شرح مقامات السيوطي ١/ ٥٦٤.
اتهمه السيوطي بأنه سلخ أربع كتب له، كتاب الخصائص والمعجزات، وكتاب أنموذج اللبيب، وكتاب طي اللسان عن ذم الطيلسان، وكتاب مسالك الحنفا في والدي المصطفى، ثم امتد سلخه، ووصلت إغارته إلى كتب قطب الدين الخيضري، وشمس الدين السخاوي.
ولم يصرح باسم السارق في هاتين المقامتين، وأجهل السبب الذي جعله يبهم اسمه، ويصرح بأسماء الآخرين.
بيد أن جمهرة من الباحثين، الدكتور سمير الدروبي في تحقيق شرح مقامات السيوطي ١/ ٥٤ وصالح آل الشيخ في كتابه هذه مفاهيمنا ٢٤ - ولم يجزم- وعبد الإله نبهان في تحقيق بهجة العابدين ١٤٠ والدكتور هلال ناجي في تحقيق الفارق بين المصنف والسارق ٢٦ فسروا هذا=
1 / 17
فلما كان هذا العام الذي هو ختام القرن رأيت أن أنظر في تبييض هذا الكتاب وتحريره، وتكميل ما بقي منه إلى أخيره، فجمعت الموادَّ، وسلكت الجوادَّ، وحبرته تحبيرا، وبالغت في تهذيبه تقريرا وتحريرا، وسميته " نواهد الأبكار وشوارد الأفكار ".
واعلم أني لخصت فيه مهمات مما في حواشي الكشاف السابق ذكرها ما له تعلّق بعبارة الكتاب، وضممت إلى ذلك نفائس تستجاد وتستطاب، مما لخصته من كتب الأئمة الحافلة (١)، كتذكرة أبي عليّ الفارسي (٢)، والخصائص، والمحتسب،
_________
=السارق الذي أبهمه السيوطي بالعلامة شهاب الدين القسطلاني صاحب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية.
قلت: إن السيوطي ذكر في مقامته الفارق بين المصنف والسارق بعض الملامح عن ذلك السالخ، فإذا هي لا تنطبق على شهاب الدين القسطلاني. قال السيوطي: "قال -أي السالخ-: تتبعت وجمعت ووقع لي" شرح مقامات السيوطي ٢/ ٨١٩ وهذه العبارات ليست في المواهب اللدنية بالمنح المحمدية.
وقال أيضا: "وهذا الرجل لست أعرفه في سر ولا جهر، وإنما قيل لي عند السؤال -وأنا بالروضة-: رجل من أهل ما وراء النهر، فما أجدر هذا السارق الأعجم بأن تقطع منه اليمنى، ويؤخذ منه باليمين" شرح مقامات السيوطي ٢/ ٨٢٩.
وشهاب الدين القسطلاني أولًا: ليس مجهولًا عن السيوطي، ب هو معروف لديه، جرت بينهما خصومة عند زكريا الأنصاري.
وثانيا: ليس رجلًا أعجميا من بلاد ما وراء النهر، بل هو مصري المولد والمنشأ من أصول إفريقية، وعليه فليس هذا السارق الذي ألف السيوطي مقامة الفارق بين المصنف والسرق ردا عليه، وذكره في كتابه هذا نواهد الأبكار = شهاب الدين القسطلاني.
دعا السيوطي على هذا السارق فقال: إن كان سارقا سالخا، وناسخا ماسخا، وكاذبا في دعوى اطلاعه على الأصول، ومدعيا ما لا حاصل عنده به، ولا محصول، ومغيرا على تصنيفي، ومنتحلا لتأليفي فلا يأمن أن يحرمه الله نفعه وثوابه، وأن يعدم عليه نفسه وكتابه. شرح مقامات السيوطي ٢/ ٨٢٧.
ولعل دعوة السيوطي عليه قبلت فيه، فلم يبارك في عمله وتأليفه، ولم ينتشر بين الناس، ولم ينتفع به.
(١) في د، ق: الكافلة.
(٢) هو الحسن بن أحمد بن عبد الغفار أبو علي النحوي الفارسي، صنف كتبا عجيبة لم يسبق إلى مثلها واشتهر ذكره في الآفاق، له كتاب التذكرة في العربية عشرون مجلدا، توفي سنة سبع وسبعين وثلاثمائة. إنباه الرواة على أنباه النحاة ١/ ٢٧٣ ومعجم الأدباء ٢/ ٨١١ وفهرست ابن خير الإشبيلي ٣١٨. والتذكرة مفقودة.
1 / 18
وذا القد لابن جني (١)، وأمالي ابن الشجري (٢)، وأمالي ابن الحاجب (٣)، وتذكرة (٤) الشيخ جمال الدين ابن هشام، ومغنيه، وحاشية الإمام (٥) بدر الدين الدماميني (٦)، وشيخنا الإمام تقي الدين الشمني، غير ناقل حرفا من كلام أحد إلا معزوًا إليه؛ لأن بركة العلم عزوه إلى قائله (٧).
وحيث كان المحل من المشكلات التي كثر كلام الناس عليها أشبعت القول (٨)
_________
(١) هو عثمان بن جني أبو الفتح النحوي الموصلي، صاحب التصانيف البديعة في علم الأدب، له كتاب التذكرة الأصبهانية، مختار تذكرة أبي علي وتهذيب، وكتاب ذي القد في النحو، وهو ما استملاه من أبي علي، وكتاب المحتسب في علل شواذ القراءات، وكتاب الخصائص، توفي سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة. إنباه الرواة على أنباه النحاة ٢/ ٣٣٥ ومعجم الأدباء ٤/ ١٥٨٥ ذو القد مفقود، والآخران مطبوعان.
(٢) هو هبة الله بن علي بن محمد أبو السعادات المعروف بابن الشجري، أحد أئمة النحاة، وله معرفة تامة باللغة والنحو، صنف الأمالي، وهو أكبر تصانيفه وأمتعها، أملاه في أربعة وثمانين مجلسا، توفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. إنباه الرواة على أنباه النحاة ٣/ ٣٥٦، ومعجم الأدباء ٦/ ٢٧٧٥ حقق الأمالي الدكتور المحقق المتضلع من علوم العربية، محمود الطناحي، وطبعت في ثلاث مجلدات بدار الخانجي.
(٣) هو عثمان بن عمر بن أبي بكر المصري الإسكندري المعروف بابن الحاجب، كان وحيد عصره علما وفضلا واطلاعا، له الأمالي في ثلاث مجلدات في غاية الإفادة، توفي سنة ست وأربعين وستمائة. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب ٢/ ٨٦، وبغية الوعاة ٢/ ٢٣٥ والأمالي هي إعراب آيات من القرآن، وشرح مواضع من المفصل والكافية، وشرح مسائل خلافية في النحو، وأمالي مطلقة، حققها الدكتور فخر صالح سليمان، وطبعت بدار الجيل.
(٤) قال عنها الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة ٣/ ٩٤ والسيوطي في بغية الوعاة ٢/ ٦٩: إنها في خمسة عشر مجلدا وقد اقتبس منها السيوطي أكثر من عشرين نصا في الأشباه والنظائر في النحو ١/ ٤٥، ٦١، ٧٤، ١٠٣، ١٦٤، ٢٤٧.
(٥) في ت، ح، ظ: وحاشيته للإمام.
(٦) هو محمد بن أبي بكر بن عمر بدر الدين الإسكندري المعروف بابن الدماميني، فاق في النحو، والنظم والنثر والخط، وشارك في الفقه وغيره، له تحفة الغريب في حاشية مغني اللبيب، توفي سنة سبع وثلاثين وثمانمائة.
الضوء اللامع لأهل القرن التاسع ٧/ ١٨٤ وبغية الوعاة ٢/ ٦٦ ومن حاشيتي بدر الدين، وتقي الدين نسخ مخطوطة كثيرة، وطبعتا بمصر قديما. انظر في تاريخ الأدب العربي ٦/ ٧٧ ومعجم المطبوعات العربية والمعربة ١/ ٨٨٠.
(٧) في ت، ظ: قائليه.
(٨) في ت، ظ: الكلام.
1 / 19