ومن الناس من زعم أن هرمس الأول، المدعو بالمثلث بالنبوة والملك والحكمة، وهو الذي يسميه العبرانيون خنوع بن يرد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام وهو إدريس عليه السلام استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان يعم الأرض، فأكثر من بنيان الأهرام، وإيداعها الأموال وصحائف العلوم، وما يشفق عليه من الذهاب والدروس، حفظا لها، واحتياطا عليها. ويقال: إن الذي بناها ملك اسمه سوريد بن سهلوق بن سرياق. وقال آخرون: إن الذي بنى الهرمين المحاذيين للفسطاط شداد بن عاد، لرؤيا رآها. والقبط تنكر دخول العمالقة بلد مصر، وتحقق أن بانيهما سوريد، لرؤيا رآها، وهي أن آفة تنزل من السماء، وهي الطوفان. وقالوا إنه بناهما في مدة ستة أشهر، وغشاهما بالديباج الملون، وكتب عليهما: "قد بنيناهما في ستة أشهر، قل لمن يأتي من بعدنا يهدمهما في ستمائة سنة، فالهدم أيسر من البنيان، وكسوناهما الديباج الملون فليكسوهما حصرا، فالحصر أهون من الديباج".
ورأينا سطوح كل واحد من هذين الهرمين مخطوطة من أعلاها إلى أسفلها بسطور متضايقة متوازية، من كتابة بانيها، لا تعرف اليوم أحرفها، ولا تفهم معانيها. وبالجملة الأمر فيها عجيب، حتى إن غاية الوصف لها والإغراق في العبارة عن حقيقة الموصوف منها، بخلاف ماقاله على بن العباس الرومي، وإن تباعد الموصوفان، وتباين المقصودان، إذ يقول:
إذا ماوصفت أمرأ لامرئ ... فلا تغل في وصفه واقتصد
فإنك إن تغلو تغلو الظنو ... ن فيه إلى الغرض الأبعد
فيصغر من حيث عظمته ... لفضل المغيب على المشهد
صفحه ۲۸