إلا أن الله جلت آلاؤه، وقدست أسماؤه، تدارك برحمته فأزال تلك المحنة بالمنحة، ونسخ تلك النقمة بالنعمة، وختم بالوصول إلى حضرة الملك الأجل أبي الطاهر بن يحيى بن تميم المعز بن باديس، الذي لم تزل حضرته مصاد العناة، ومراد العفاة، ومجتمع الفضائل، ومنتجع الأفاضل، ومشرع الجود، ومشعر الوفود. فلما استترت بجناحه، واستظهرت باستماحه، أعذب لي بسماحة الدهر جناه، واعتذر لي مما جناه، فكف دوني كفه، وصرف عني صرفه.
كريم رفضت الناس لما بلغته ... كأنهم ما خف من زاد قادم
فكنت فيما مضيت عليه، وآلت حالي إليه، من إشراقها بعد الأفول، وإبراقها بعد الذبول، كنصل أهمل أمره، من جهل قدره، ولما وقع إلى وقع الخبير به صان صفحته وحده، وحلى حمائله وغمده، ثم ادخره فيما يدخر وأعده، فإن انتضاه، يوما ارتضاه، وإن جرده، أحمده، وإن هزه، سره في الضريبة حزه.
ولكن أبى الله أن يكون الفضل إلا لمن نشأ في مغارسه، ونجم في منابته، وربى في حجره، وغذى بدره.
فلم أستسغ إلا نداه فلم يكن ... ليعدل عندي ذا الجناب جناب
فما كل إنعام يخف احتماله ... وإن هطلت منه على رباب
ولكن أجل الصنع ما جل ربه ... ولم يأت باب دونه وحجاب
وما شئت إلا أن أدل عواذلي ... على أن رأيي في هواك صواب
وأعلم قوما خالفوني فشرقوا ... وغربت أني قد ظفرت وخابوا
صفحه ۱۴