فيذكرها إلا استحال إلى البخل
كرم حاتم
أغار قوم على طيئ فركب حاتم فرسه وأخذ رمحه ونادى في جيشه وأهل عشيرته، ولقي القوم فهزمهم وتبعهم فقال له كبيرهم: يا حاتم هبني رمحك فرمى به إليه، فقيل لحاتم: عرضت نفسك للهلاك ولو عطف عليك لقتلك، فقال: قد علمت ذلك ولكن ما جواب من يقول: هب لي؟
مفاخرة بين حاتم وسعد بن حارثة
خرج الحكم بن أبي العاصي ومعه عطر يريد الحيرة، وكان بالحيرة سوق يجتمع إليه الناس كل سنة، وكان النعمان بن المنذر قد جعل لبني لام بن عمر ريع الطريق طعمة لهم، وذلك لأن بنت سعد بن حارثة بن لام كانت عند النعمان وكانوا صهاره، فمر الحكم بن أبي العاصي بحاتم بن عبد الله فسأله الجوار في أرض طيئ حتى يصير إلى الحيرة، فأجاره ثم أمر حاتم بجزور فنحرت وطبخت، فأكلوا ومع حاتم سلمان بن حارثة بن سعد بن الحشرج وهو ابن عمه، فلما فرغوا من الطعام طيبهم الحكم من طيبه ذلك، فمر حاتم بسعد بن حارثة بن لام وليس مع حاتم من بني أبيه غير سلمان وحاتم على راحلته وفرسه تقاد، فأتاه بنو لام فوضع حاتم سفرته وقال: اطعموا حياكم الله، فقالوا: من هؤلاء معك يا حاتم؟ قال: هؤلاء جيراني، قال له سعد: فأنت تجير علينا في بلادنا، قال له: أنا ابن عمكم وأحق من لم تخفروا ذمته، فقالوا: لست هذاك، وأرادوا أن يفضحوه كما فضح عامر بن جوين قبله، فوثبوا إليه فتناول سعد بن حارثة بن لام حاتما، فأهوى له حاتم بالسيف فأطار أرنبة أنفه، ووقع الشر حتى تحاجزوا، فقال حاتم في ذلك:
وددت وبيت الله لو أن أنفه
هواء فما مت المخاط عن العظم
ولكنما لاقاه سيف ابن عمه
فآب ومر السيف منه على الخطم
فقالوا لحاتم: بيننا وبينك سوق الحيرة فنماجدك ونضع الرهن، ففعلوا ووضعوا تسعة أفراس رهنا على يد رجل من كلب يقال له امرؤ القيس بن عدي ووضع حاتم فرسه، ثم خرجوا حتى انتهوا إلى الحيرة، وسمع ذلك إياس بن قبيصة الطائي فخاف أن يعينهم النعمان بن المنذر ويقويهم بماله وسلطانه المصهر الذي بينهم وبينه، فجمع إياس رهطه من بني حية وقال: يا بني حية إن هؤلاء القوم قد أرادوا أن يفضحوا ابن عمكم في مماجدته، فقال رجل من بني حية: عندي مائة ناقة سوداء ومائة ناقة حمراء أدماء، وقام آخر فقال: عندي عشرة أحصنة على كل حصان منهم فارس مدجج لا يرى منه إلا عيناه، وقال حسان بن جبلة الخير: قد علمتم أن أبي قد مات وترك كلاء كثيرا فعلي كل خمر أو لحم أو طعام ما أقاموا في سوق الحيرة، ثم قام إياس فقال: علي مثل جميع ما أعطيتم كلكم، كل ذلك وحاتم لا يعلم شيئا مما فعلوا، وذهب حاتم إلى مالك بن جبار ابن عم له بالحيرة كان كثير المال، فقال: يا ابن العم أعني على مفاخرتي ثم أنشد:
صفحه نامشخص