جمع رجاله وجلس بينهم جلوس الزعيم، ثم أخذ يكلمهم بلهجة الخطباء المبدعين قائلا ما معناه:
أيها الإخوان
إنكم تعلمون - ولا ريب - أن صروف الأيام ونوائب الحدثان أنزلتنا منازل الفقر والهوان، وتركتنا بلا مال نقضي به الأغراض، أو منصب يدفع عنا شر العوز والشقاء.
غير أن الرجل الذكي القدير يهزأ بالزمن إذا عبس في وجهه ويتغلب على الأيام وإن قلبت له ظهر المجن؛ لأن العقل الرجيح يعرف كيف ينتقم من القضاء بالضحك على صغار العقول والأحلام.
وإننا، ونحن على ما تعلمون من الحاجة إلى المال، لا نجد بدا من ركوب المركب الخشن، ولو كان أسنة وسهاما، حتى لا نعيش كالحيوانات الساقطة تحت إمرة سوانا، وعرضة لكل مذلة وهوان.
ولقد خدمتني الصدف اليوم خدمة جلى؛ إذ مكنتني عندما كنت في «أوبرا بار» هذا الصباح من معرفة غني كبير من أغنياء الصعيد جاء إلى العاصمة ليشتري له رتبة الميرميران حتى يلقب في بلدته وبين عشيرته بسعادتلو أفندم.
ولقد لاح لي من حديث الرجل أنه على غاية ما يكون من الجهل، وأن الذين التفوا حوله ليس في وسعهم أن يخففوا عنه ثقل جيبه.
لهذا رأيت أن أعهد إلى أحدكم التحكك به بعد أن أدله عليه، حتى إذا ما تمكن من محادثته أخبره بأنه مطلع على ما يطلب، عارف بأنه إنما جاء إلى مصر ليكون باشا، ثم يوهمه بعد ذلك أن جلالة السلطان عبد الحميد قد أوفد إلى مصر مندوبا ساميا يحمل عدة رتب من الميرميران وسواها، وأنه في وسعه أن يحصل له على واحدة منها، فأمن الجميع على كلامه كما كان يؤمن رجال روكامبول على كل ما كان يشير به.
وللحال تفرق أفراد العصابة بعد أن وضع حافظ لكل منهم خطة عمله، ولم يبق معه إلا الذي اصطفاه من بينهم للتغرير بذلك الوجيه المغفل.
وفي اليوم الثاني أخذه إلى «أوبرا بار»؛ لأن ذلك الغني تعود على التردد إليه كل صباح، فلما وصل أشار إليه حافظ، حتى إذا ما وثق من أن تلميذه قد عرفه غادر البار ومن فيه. •••
صفحه نامشخص