بسم الله الرحمن الرحيم
وبه العصمة والتوفيق
(قال تمام بن عبد السلام بن محمد بن أحمد اللخمي اللغوي ﵀: قرأت على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن بسام بفسطاط مصر، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن سليمان الأخفش، قال: أخبرنا أبو العباس محمد بن يزيد الأزدي، قال أخبرني التوزي وأبو حاتم السجستاني عن أبي زيد، قال الأخفش: وأخبرني أبو سعيد الحسن بن الحسين البصري المعروف بالسكري، عن الرياشي وأبي حاتم، عن أبي زيد، قال أبو سعيد):
هذا كتاب أبي زيدٍ سعيد بن أوس بن ثابت، مما سمعه من المفضل بن محمد الضبي، ومن العرب.
1 / 141
قال أبو حاتم: قال لي أبو زيد: وما كان فيه من شعر القصيد، فهو سماعي من المفضل بن محمد الضبي الكوفي، وما كان من اللغات وأبواب الرجز، فذلك سماعي من العرب.
(قال: وأخبرني أبو العباس عن التوزي: أن أبا زيد قال: ما كان فيه من رجز فهو سماعي من المفضل، وما كان فيه من قصيد أو لغاتٍ، فهو سماعي من العرب. قال أبو سعيد):
وكان العباس بن الفرج الرياشي يحفظ الشعر الذي في هذا الكتاب كما يحفظ السورة من القرآن. وقال لي: حفظته في زمن أبي زيد، وحفظت كتاب الهمز لأبي زيد، وقرأته عليه حفظًا، وكنت أعد حروفه.
1 / 142
باب شعر
أخبرني الرياشي قال: أخبرنا أبو زيد قال: أنشدني المفضل لضمرة ابن ضمرة النهشلي، وهو جاهلي:
بكرت تلومك بعد وهنٍ في الندى ... بسل عليك ملامتي وعتابي
1 / 143
أأصرها وبني عمي ساغب ... وكفاك من ابةٍ علي وعاب
(قال أبو الحسن وزاد الأصمعي):
أرأيت إن صرخت بليلٍ هامتي ... وخرجت منها عاريًا أثوابي
(رجعت الرواية إلى أبي زيد):
هل تخمشن إبلي علي وجوهها ... أم تعصبن رءوسها بسلاب
قوله بكرت: أي عجلت، ولم يرد بكور الغدو، ومنه باكورة الرطب والفاكهة، للشيء المتعجل منه. وتقول: أنا أبكر العشية فآتيك: أي أعجل ذلك وأسرعه. ولم يرد الغدو، ألا ترى قوله بعد وهنٍ: أي بعد نومةٍ. والندى: السخاء والاعطاء، فلامته في ذلك، وأمرته بالامساك. بسل عليك: [حرام عليك]، وكذلك قول زهير:
بلاد بها نادمتهم وألفتهم ... فإن يقويا منهم فإنهما بسل
1 / 144
قال أبو حاتم: هي بسل وهما بسل وهن بسل، الواحد والاثنان والثلاثة، والذكر والأنثى فيه سواء، كما يقال: رجل عدل، وامرأة عدل، ورجلان عدل، وامرأتان عدل، وقوم عدل. وساغب: جائع، يقول: فلا أصر نوقي وابن عمي جائع حتى أرويه. والسغب: الجوع. والابة: الخزي والحياء يقال: خزيت من الشيء أي استحييت منه. وقلت لأعرابية بالعيون بنت مئة سنة: مالك لا تأتين أهل الرفقة؟ فقالت: اني أخوى أن أمشي في الرفاق: أي أستحي. ويقال: اتأبت من الشيء: استحييت منه. مثل اتعدت / واتقيت. والأصل: من وقيت ووعدت. ويقال: أوأبت الرجل أي أحشمته، فاتأب: أي فاحتشم، يدغمون الواو في التاء بعدما يقلبون الواء تاءً. كذلك اتعدنا: هو من الوعد. وقالوا: التخمة والتكلان والتولج، وأصل هؤلاء التاءات الواو، فقلبوا لغير ادغام لأن اتعد كرهوا فيه أن يقولوا ايتعد، فتنقلب ياءً، أو ياتعد، فتنقلب ألفًا. ويوتعد، فتنقلب واوًا، فكرهوا في هذا التقلب، فجاءوا بالتاء، وهو حرف جلد لا ينقلب. والاسم التؤبة على وزن التخمة. ويقال: إن الطعام تؤبة. يقول: يستحي الإنسان إذا دعي إليه فجاءه.
1 / 145
والعاب والعيب: لغتان، كما يقال: القار والقير. والقاد والقيد، والذام والذيم. ويقال هو مني قاد رمحٍ، وقيد رمح. وقال بعض العرب: إن الرجز لعاب أي لعيب. والرجز: ارتعاد مؤخر البعير عند النهوض، يقال: ناقة رجزاء وبعير. أرجز، وذلك عيب. قال أبو النجم يصف امرأة:
تجد القيام كأنما هو نجدة ... حتى تقوم تكلف الرجزاء
أي تنهض من ثقل عجيزتها في شدةٍ. والنجدة: الشدة: والبسل: الحلال. وهذا الحرف من الأضداد، قال عبد الله بن همامٍ:
زيادتنا نعمان لا تحرمننا ... تق الله فينا والكتاب الذي تتلو
1 / 146
أيثبت ما زدتم وتلقى زيادتي ... دمي إن أسيغت هذه لكم بسل
(قال أبو الحسن: ويروى: أجيزت وأحلت).
أي حلال. ويروى لا تمحونها. تنصب زيادتنا، وإن شغلت الفعل بالهاء، لأنه نهي، كقولك زيدًا لا تضربه. تق الله: يريد اتق الله، فحذف إحدى التاءين مع الألف استخفافًا، ولا يصنع هذا بكل ما أشبهه، وقد جاء أيضًا أنشدناه أبو زيدٍ هكذا:
تقوه أيها الفتيان إني ... رأيت الله قد غلب الجدودا
(ويروى: الجنودا).
ولو قال: تحرمننا ات فجعل نصف البيت في التقطيع التاء الأولى ثم استأنف من تق الله جاز، وقد يحذف قوم التاء الأولى من يتقي فقالوا يتقي، وأنشد ":
1 / 147
يتقي به نفيان كل عشيةٍ ... والماء فوق سراته يتصبب
سلاب: عصائب سود يقال، امرأة مسلبة: إذا لبست السواد.
قال أبو زيد: قال حيي بن وائل، وأدرك قطري بن الفجاءة الخارجي، أحد بني مازن:
أما أقاتل عن ديني على فرسٍ ... ولا كذا رجلًا إلا بأصحاب
لقد لقيت إذًا شرًا وأدركني ... ما كنت أزعم في خصمي من العاب
يريد العيب.
(قال أبو الحسن: روى غير أني زيد أن حيي بن وائلٍ خرج راجلا يقاتل السلطان فقيل له: أتخرج راجلًا تقاتل؟ فقال:
1 / 148
«أما أقاتلهم إلا على فرسٍ»)
أبو حاتم قوله «أما» مخفف الميم مفتوح الألف، وقوله رجلًا: معناه راجلًا، كما تقول العرب: جاءنا فلان حافيًا، ورجلًا أي راجلًا، كأنه قال: أما أقاتل فارسًا ولا كما أنا راجلًا إلا ومعي أصحاب فلقد لقيت إذًا شرًا، أي أني أقاتل وحدي. ويقال: راجل ورجال. قال الله تعالى «فإن خفتم فرجالًا أو ركبانًا» أي فرجالة وكذلك «يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر» أي رجالةً ويقال: راجل ورجلة ورجل ورجال ورجالى خفيفة الجيم ورجلة بكسر الراء. والعاب يريد العيب. ويقال بوع وباع وصوع وصاع.
وقال مرداس بن حصين من بني عبد الله بن كلابٍ، وهو جاهلي:
فإن نرزأهم فلقد تركنا ... كفاءهم لدى الدبر المضاع
1 / 149
فلم تخطيء سراة بني حليسٍ ... وشدادًا تركنا للضباع
قصرت له القبيلة إذ تجهنا ... وما ضاقت بشدته ذراعي
(قال أبو الحسن: وزادني أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب هذه الأبيات):
ولم أر هالكًا من أهل نجدٍ ... كزرعة يوم قام به النواعي
أجل جلالةً، وأعز فقدًا ... على المولى، وأكرم في المساعي
وأقول للتي نبذت بينها ... وقد رأت السوابق لا تراعي
(رجعت الرواية إلى أبي زيد)
وكان دريةً لما التقينا ... لنصل السيف مجتمع الصداع
وقد ترك الفوارس يوم حسي ... غلامًا غير مناع المتاع
(أبو زيد: ويروى «وقد أردى»):
ولا فرح بخيرٍ إن أتاه ... ولا جزعٍ من الحدثان لاع
1 / 150
ولا وقافةٍ والخيل تردي ... ولا خالٍ كأنبوب اليراع
قوله: «فإن نرزأهم» يقول: إن قتلوا فقد تركنا كفاءهم، أي أمثالهم، لدى دبر جيشهم إذا انهزموا فهم يحمونهم حتى يبلغوا مأمنهم، يقول: فإن مات هؤلاء وقتلوا، فثم أمثالهم، ومنه الكفء، وقوم أكفاء أي بعضهم مثل بعض، قال ابن مقبلٍ:
يا عين فابكي حنيفًا رأس حيهم ... الكاسرين القنافي عورة الدبر
يقول: إذا انهزموا وضاع الدبر طاعنوا دونهم حتى ينجوهم.
تركنا للضباع: أي تركناه مقتولًا تأكل الضباع لحمه. الأصمعي يقول: تجهنا، وأبو زيد يقول: تجهنا. يقال: تجه يتجه تجها على وزن
1 / 151
فزع يفزع فزعًا إذا واجهه. وداري تجاه داره. وقصرت: حبست. ولم أضق بشدته ذرعًا. والقبيلة: اسم فرسه التي قتل عليها شدادًا. الدرية حلقة يتعلم عليها الطعن. ومجتمع الصداع: الرأس. وأنشد أبو حاتم للجهينة صاحبة المرثية:
أجعلت أسعد للرماح دريئةً ... هبلتك أمك أي جردٍ ترقع
الجرد: الخلق من الثياب، ضربته مثلًا. ويوم حسي: يوم التقوا بذلك الموضع. مناع المتاع: الذي لا يمنع معروفه وما عونه، هو سخي.
1 / 152
اللاعي: الضجر، ويقال: رجل نسابة وعيابة يدخلون الهاء للمبالغة، فلذلك قال: ولا وقافةٍ، وقد يقال: وقاف، ونساب، وعياب. واللاعي: الذي يجوع قبل أصحابه، لاع يلاع لوعًا. واليراع: القصب، أراد ليس بخالي الجوف طياشٍ لا فؤاد له.
(أبو زيد) وقال رجل من بكر بن وائل جاهلي:
فلا تشلل يد فتكت ببحرٍ ... فإنك لن تذل ولن تلاما
وجدنا آل مرة حين خفنا ... جريرتنا هم الأنف الكراما
ويسرج جارهم من حيث أمسى ... كأن عليه مؤتنفًا حراما
(قال أبو الحسن: ويروى:
فلا تشلل يد فتكت بعمرو ... فإنك لن تذل ولن تضاما)
(قال أبو حاتم):
جزم تشلل على الدعاء أي لا أشلها الله، يقال شلت يده، ولا
1 / 153
يقال شلت يده، ولكن أشلت. ويقال: فتكت به أفتك فتكًا وفتكًا: إذا وثبت به من غير أن يعلم فقتلته أو قطعت منه شيئًا. وقوله: «هم الأنف»: جعل هم صلةً للكلام وفي القرآن: «تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا». ومن فصحاء العرب من يرفع الأنف الكرام: يجعل هم مبتدأ، وهذا خبر المبتدأ. والجريرة: ما جروا على أنفسهم من الذنوب وقولهم: من جراء ذاك: يريدون من جريرة ذاك. قال الحارث بن حلزة اليشكري:
أم علينا جرا حنيفة أم ما ... جمعت من محاربٍ غبراء
أضاف جرا إلى حنفية، وهي: الجريرة والجناية. وجمع جريرةٍ: جرائر. وجمع جنايةٍ جنايا، قال ابن حلزة:
أم جنايا بني عتيقٍ فمن يغـ ... ـدر فإنا من غدرهم براء؟
1 / 154
والأنف: الذين يأنفون من احتمال الضيم. مؤتنفًا حرامًا: يريد شهرًا حرامًا، ولا يهاج فيه أي هو من الأمن كأنه في شهر حرام، وكانوا لا يهيجون أحدًا في الشهر الحرام. قال أبو حاتم: وفي كتابي «مؤتنفًا» بكسر النون، فإن لم يكن غلطًا فإنه أراد: كأن عليه وهو مؤتنف «مستأنف» شهرًا حرامًا، فنصب مؤتنفًا على الحال. ويسرح جارهم: يرسل ماشيته في المرعى.
وقال عبدة بن الطبيب: أحد بني سعد بن زيد مناة بن تميم:
يخفي التراب بأظلافٍ ثمانيةٍ ... في أربعٍ مسهن الأرض تحليل
1 / 155
مردفاتٍ على آثارها زمعًا ... كأنها بالعجايات الثآليل
إن التي وضعت بيتًا مهاجرةً ... بكوفة الخلد قد غالت بها غول
ولى وصرعن من حيث التبسن به ... مجرحات يأجراحٍ ومقتول
كأنه بعد ما جد النجاء به ... سيف جلى متنه الأصناع مصقول
(أبو حاتم) يخفي: يظهر ويستخرج، قال امرؤ القيس:
خفاهن من أنفاقهن كأنما ... خفاهن ودق من عشي مجلب
ويسمى النباش بالحجاز: المختفي، لأنه يخرج الموتى من قبورهم، فينزع ثيابهم. وقوله في أربعٍ: أي أربع قوائم. يقول إذا عدا فلا تمس قوائمه الأرض إلا بقدر تحلة اليمين. وقد أكثر الشعراء في هذا المعنى. وقوله زمعًا فالزمعة: زائدة معلقة خلف الظلف. قال الأخطل:
بنو كليبٍ زمع الكلاب
1 / 156
والعجايات: عصب الأوظفة والأرساغ. قال الرياشي: قال الأصمعي في قوله «بكوفة الخلد»: هي بكوفة الجند. وزعم أن الأول تصحيف. وقوله: قد غالت أراد. غالتها غول. وقوله «ولى وصرعن». يريد ولى الثور وصرعت الكلاب الصوائد، طعنهن بقرنيه. وروى أبو حاتم: «مخرجاتٍ» وقال: التخريج: لونان: بياض وسواد، وغير ذلك من الألوان. و«أجراح»: جمع جرح على أجراح. و«النجاء»: الذهاب، وواحد الأصناع صنع، وهو الحاذق الكف بالصنعة. ورجل صنع، ورجال صنع الأيدي، وامرأة صناع: رقيقة الكفين. القوائم الأربع مردفات.
(قال أبو الحسن: جمع صنعٍ أصناع كقولك جبل وأجبال، وجمل وأجمال، فإذا قلت: امرأة صناع فالجمع صنع كقولك فراش وفرش، ومهاد ومهد، ومن جمع المذكر على صنعٍ فإنما بنى الواحد على صنوع كما قال طرفة:
ثم أزادوا أنهم في قومهم ... غفر ذنبهم غير فخر
1 / 157
فغفر وفخر جمع غفورٍ وفخورٍ، وقوله «مجرحات بأجراحٍ ومقتول» ارتفع لأن التقدير فيها أن يقول منها مجرحات ومنها مقتول. وعلى هذا قراءة من قرأ «في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة» وأنشدوا بيت النجاشي على هذا:
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة ... ورجل رمت فيها يد الحدثان
فأما التي صحت فأزد شنوءةٍ ... وأما التي شلت فأزد عمان
وهذا كثير. قال أبو زيدٍ).
وقال سحيم بن وثيلٍ اليربوعي، وأدرك الإسلام:
(قال أبو الحسن: وكان مخضمرًا يعني سحيمًا).
1 / 158
كانت عبيد شهود الحي فاعتزلوا ... وحميري فلم يعجز ولم يلم
ظلت نساؤهم والقوم أنجية ... يعدى عليها كما يعدى على النعم
(قال أبو الحسن: يقال ماء خضرم: إذا تناهى في الكثرة واتسع، فمنه سمي الرجل الذي شهد الجاهلية والاسلام مخضرمًا، كأنه استوفى الأمرين، ويقال أذن مخضرمة إذا كانت مقطوعة فكأنه انقطع عن الجاهلية إلى الإسلام)
عبيد وحميري: قبيلتان من بني يربوعٍ. وقوله «لم تلم»: لم تأت أمرًا تلام عليه. أو تستوجب الملامة عليه. وواحد الأنجية نجي. كما ترى وهم جماعة يتناجون، كما قال (تعالى). «خلصوا نجيًا» و«الأنجية»: جماعة النجي، كأنهم الجماعات. قال الراجز:
إني إذا ما القوم كانوا أنجيه
1 / 159
ومنه النجوى: أي الجماعة يتناجون، قال ﷿: «وإذا هم نجوى» والنجوى أيضًا: المناجاة. قال: «وأسروا النجوى» وقال «فقدموا بين يدي نجواكم صدقة» وأما قوله تعالى: «ما يكون من نجوى ثلاثةٍ» فيمكن أن يعني الجماعة، ويمكن المناجاة يحتمل المعنيين. أبو حاتم:
كما يعدى على الغنم
1 / 160