فأمرها فغنته، ثم قال للفتى: سل حاجتك، فقال: تأمرها يا أمير المؤمنين أن تغني بهذا الشعر:
مني الوصال ومنكم الهجر
حتى يفرق بيننا الدهر
والله لا أسلوكم أبدا
ما لاح بدر أو بدا قمر
فأمرها فغنت، فلم تتم الأبيات حتى خر الفتى مغشيا عليه، فقال يزيد للجارية: قومي انظري ما حاله، فقامت إليه فحركته فإذا هو ميت، فقال يزيد: ابكيه، فقالت: لا أبكيه يا أمير المؤمنين وأنت حي، فقال لها: ابكيه، فوالله لو عاش ما انصرف إلا بك، فبكت الجارية وبكى أمير المؤمنين، ثم أمر بالفتى فدفن، وأما الجارية فلم ثلبث أن ماتت على أثره.
إبراهيم بن المهدي وجارية بنت عصمة
اختفى إبراهيم بن المهدي زمن المأمون عند بنت عصمة بنت أبي جعفر حين هربه من المأمون لشدة طلبه له، وكانت تكرمه غاية الإكرام، وتلاطفه بأشهى الطرائق، وتتفقده في أوقاته، ووكلت به جارية يقال لها: ملك، وكانت قد أدبتها وأنفقت عليها الأموال، وكانت جميلة الصوت، راوية الأشعار، بارعة الجمال، حسنة القد، عاقلة، فكانت تتولى خدمة إبراهيم وتقوم على رأسه تتفقد أموره، فأحبها كثيرا وكتم ذلك عن ربة البيت، فلما اشتد وجده وغلب حبها على فؤاده أخذ عودا وغنى فيها شعرا له وهي واقفة أمام عينيه:
يا غزالا لي إليه
شافع من مقلتيه
صفحه نامشخص