سعادتها، وهو الرؤوف بها الرحيم لها - ان لا تعنت عترته فلا تفاجأ بمثل ما فوجئت به، - والجرح لما يندمل، والنبي لما يقبر - ؟ ! وحسبها يومئذ فقد رسول الله صلى الله عليه وآله قارعة تفترش بها القلق، وتتوسد الارق، وتساور الهموم، وتسامر النجوم، وتتجرع الغصص، وتعالج البرحاء، فالتريث الذي قلناه كان أولى بتعزيتها، وأدنى إلى حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله فيها، وأجمع لكلمة الامة، واقرب إلى استعمال الحكمة، ولكن القوم صمموا على صرف الخلافة عن آل محمد صلى الله عليه وآله مهما كلفهم الامر، فخافوا من التريث أن يفضي بهم إلى خلاف ما صمموا عليه، فان آل محمد إذا حضروا المشورة ظهرت حجتهم وعلت كلمتهم، فبادر القوم بعقد البيعة، واغتنموا اشتغال الهاشميين برزيتهم، وانتهزوا انصرافهم بكلهم إلى واجباتهم بتجهيز جنازتهم المفداة. وأعان أولئك على ما دبروه دهشة المسلمين وذعرهم، وتزلزل اقدامهم، واجتماع اكثر الانصار في السقيفة يرشحون سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، لكن ابن عمه بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي وأسيد بن الحضير سيد الاوس، كانا ينافسانه في السيادة فحسداه على هذا الترشيح وخافا أن يتم له الامر، فأضمرا له الحسيكة مجمعين على صرف الامر عنه بكل ما لديهما من وسيلة، وصافقهما على ذلك عويم بن ساعدة الاوسي، ومعن بن عدي حليف الانصار، وقد كان هذان على اتفاق سري مع أبي بكر وعمر وحزبهما، فكانا من أولياء أبي بكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وكانا مع ذلك ذوي بغض وشحناء لسعد بن أبي عبادة، فانطلق عويم إلى أبي بكر وعمر مسرعا فشحذ عزمهما لمعارضة سعد، وأسرع بهما إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة، وسالم مولى أبي حذيفة، ولحقهم آخرون من حزبهم من المهاجرين.
--- [19]
صفحه ۱۸