نزل الله لرحمته به كتابا وفرقانا، وبين تنزيله كل شيء تبيانا، كما قال سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وآله : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين } [النمل: 89]، فليس بعد قوله:{ تبيانا وهدى ورحمة وبشرى } فاقة ولا حاجة في شيء منهن للمؤمنين. وكل ما نزل الله سبحانه من ذلك في القرآن، وفصل به وفيه من التبيان، فقول منه - لا إله إلا هو - لا كالأقوال، ذو بهجة ونور وحياة وبهاء وجلال، وكلام بان عنه سبحانه بصوت لا كالأصوات، صوت كريم لا يحله مصنوع اللهوات، ولم يقطعه عواجز الأفواه، ولم يخرج من بين جوانح وشفاه، ولو أنه من تلك كان، وعنها من الله بان، لكان لما كان من مثل ذلك مثلا وكفيا، ولما كان كما جعله الله نورا وحيا، حتى يهدى بنوره من ظلم الضلالة، ويحيى بروحه من مات من أهل الجهالة، حتى يرى بعد موته - لإحيائه له - حيا، وحتى يمشي به من هداه مبصرا بعد أن كان عميا، قال الله سبحانه: { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكفرين ما كانوا يعملون } [الأنعام: 122]، وقال سبحانه: { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور } [الشورى: 52 - 53]. فنور كتاب الله زاهر مضيء يتلألا، وما جعل الله به من الحياة فحياة لا تبيد أبدا ولا تبلى.
صفحه ۳۵