بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي تواضع كل شيء لعظمته, والحمد لله الذي ذل كل شيء لعزته, والحمد لله الذي استسلم كل شيء لقدرته, والحمد لله الذي خضع كل شيء لملكه.
اللهم صل على محمد كما يحب أن يصلى عليه, وصل على محمد كما أمرت أن يصلى عليه, وصل على محمد كما ينبغي أن يصلى عليه وعلى آله وسلم.
قال الله تعالى في كتابه: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو لجاره ما يحب لنفسه)).
وقال صلى الله عليه وسلم : ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((الدين النصيحة, الدين النصيحة, قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)).
فإذا جاور إنسان إنسانا فينبغي له أن ينصحه, ويدله على ما يعلمه له من الخير في أمر دينه ودنياه.
صفحه ۳۳۵
ولما أن سهل الله تعالى مجاورة الملك الأشرف لأهل الشام, زاده الله شرفا فيما يقربه إليه, وجعله من حزبه المتوكلين عليه, وجنبه أهوال ما بين يديه, ووفقه توفيق العارفين, وجعله من أوليائه المتقين, وعباده الصالحين. وذلك إن شاء الله تعالى مما خار له فيه, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غير حديث: ((عليكم بالشام, فإن الله قد تكفل لي بالشام وأهله)) وروي: أنه ((صفوة الله من بلاده يجتبي إليه خير عباده)).
فتحقق عندنا نصحه فيما نعلمه وندله على ما نراه صوابا وبالله التوفيق.
صفحه ۳۳۶
فينبغي للعبد أن يشكر نعم الله عليه, فإن الله تعالى قال: {لئن شكرتم لأزيدنكم} وقال تعالى: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما}. وإذا لم نشكر النعم بطاعة الله تعالى خيف من زوالها, فإنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أعطى الله عز وجل العبد ما يحب وهو مقيم على معاصيه, فإنما ذلك استدراج)), ثم نزع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون} وينبغي أن تتقى المظالم فقد قال الله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الظلم ظلمات يوم القيامة)) وقال صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل أنه قال: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما, فلا تظالموا)) وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: ((إياك ودعوة المظلوم, فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((في بعض الكتب التي أنزلها الله على بعض أنبيائه صلى الله عليهم: أيها الملك المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض, ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم, فإني لا أردها ولو كانت من كافر)) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((من كانت عنده مظلمة لأخيه في عرضه أو ماله فليتحللها منه قبل أن يدخل حيث لا يكون دينار ولا درهم, إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته, وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحملن عليه)) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع, قال: فإن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام, ويأتي قد شتم هذا, وقذف هذا, وأكل مال هذا, وسفك دم هذا, وضرب هذا, فيقضى هذا من حسناته, وهذا من حسناته, فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم. فطرحت عليه ثم طرح في النار)) وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته)) فيعلم بسعادته جعل الله الخير من عادته.
صفحه ۳۳۷
إن بهذه البلدة أشياء [يعني بلدة دمشق] لا يحل فعلها مثل ضمان الخمور ودار الطعم وما يؤخذ على الغالة وسوق الغنم وشبه هذا كله, وهذه الأشياء وإن كثرت فإن أخذها يصير في ذمة آخذها, وتبقى تبعتها عليه, ويمحق عليه مما يملكه أكثر منها, وليس فيها بركة. قال الله تعالى: {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون} وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس, فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه, ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام, كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يخالط الحمى ألا وإن لكل ملك حمى, وحمى الله محارمه)) فيا من أكثر الله عز وجل له من الحلال فما لك تكدره بالحرام, وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها من بعده كان له أجرها وأجر من عمل بها, لا ينقص من أجورهم شيئا, ومن سن سنة سيئة فعمل بها من بعده كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا)).
ثم ينظر في أهل السجون فإن بعضهم ربما حبس على ذنب صغير, وليس له من يسأل عنه, فيبقى في السجن مدة, وقد بلغنا في .. .. .. ال .. .. .. أنهم أكلوا إنسانا منهم من الجوع.
ويتقدم إلى المحتسب أن لا يسعر الأشياء, لكن ينظر في جودتها, فإنه روي أنه غلا السعر من زمان النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: سعر لنا, فقال صلى الله عليه وسلم : إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق, إني لأرجو أن ألقى الله عز وجل وليس أحد [منكم] يطلبني بمظلمة في أهل ولا مال)).
ثم إقامة الحدود, فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إقامة حد في الأرض خير لأهلها من مطر أربعين صباحا)).
ثم اجتناب الخمر, فقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم : ((أم الخبائث)).
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((مدمن الخمر كعابد الوثن)).
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لعنت الخمر على عشرة وجوه, لعنت الخمر لعينها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها)).
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل الجنة مدمن خمر, ومن مات وهو يشرب الخمر سقاه الله من نهر الغوطة وهو ما يسيل من فروج المومسات يؤذي ريحه أهل النار)).
صفحه ۳۳۸
وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فنهاه عنها فقال: إنما أصنعها للدواء فقال: ((إنه ليس بدواء ولكنه داء)) وقد قيل: من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
وينبغي للعبد أن لا يؤخر التوبة, فإن الموت ربما أتى بغتة ويندم حين لا ينفعه الندم, فقد قال الله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لله أفرح بتوبة عبده من رجل مر بأرض دوية مهلكة ومعه راحلته عليها طعامه وما يصلحه فنزل فنام .. .. .. فاستيقظ وقد ذهبت فطلبها فغلبته عيناه فاستيقظ فإذا راحلته عند رأسه عليها طعامه وشرابه وما يصلحه)).
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قبل مغرب الشمس باب مفتوح للتوبة مسيرة عرضه سبعون سنة, فلا يزال الباب مفتوحا حتى تطلع الشمس من مغربها)), وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال: ((إني لأستغفر الله في اليوم مئة مرة)) وقال عبد الله بن عمر: ((إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد: رب اغفر لي وارحمني إنك أنت التواب الغفور مئة مرة هذا وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. صلى الله عليه وسلم .
[قال الحافظ الضياء]: كتبت بهذه الوصية نسخة وبعثتها إلى الأخ الإمام الزاهد أبي عبد الله محمد اليونيني, فذكر لي بعد ذلك أنه قرأها على الملك الأشرف.
صفحه ۳۳۹